الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: نعم ، لا بأس بإفاضة الكلام فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام في تفسير قوله تعالى: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) أن من عبد صنما لا يكون إماما. فعن ابن المغازلي بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا دعوة أبي إبراهيم). قلت: يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال: (أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أني جاعلك للناس إماما فاستخف إبراهيم الفرح، قال: ومن ذريتي أئمة مثلي؟ فأوحى الله عز وجل إليه : أن يا إبراهيم إني لا أعطيتك عهدا لا أفي لك به، قال يا رب ما العهد الذي لا تنفي لي به ؟ قال: لا أعطيتك لظالم من ذريتك عهدا . قال : إبراهيم عندها : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فانتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا. وفي صحيح هشام بن سالم، قال أبو عبد الله عليه السلام (الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات ، فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها. ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعانيه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد، وعليه إمام، مثل ما كان إبراهيم على لوط. ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد ارسل إلى طائفة قلوا أو كثروا، كيونس وعليه إمام. والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل اولي العزم. وقد كان إبراهيم عليه السلام نبيا وليس بإمام حتى قال الله: "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي" (البقرة 124)، فقال الله: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124)، من عبد صنما أو وثنا لا يكون أماما)، وقريب منهما غيرهما.
عن كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: شمولية نظام الكون ودقته وروعته: ويزيد في تجلي هذه الحقيقة العظيمة ووضوحها هو دقة الصنع وإتقانه، وتناسقه وإحكامه، وروعة الكون وشمولية نظامه، وما فيه من طرف وعجائب، بنحو يبهر العقول ويحيّر الألباب، ويضطر العاقل للبخوع والإذعان، لا بوجود الخالق المدبر فحسب، بل بعظمته وحكمته، وقدرته المطلقة وإحاطته. وابدأ في الملاحظة والتدبّر بالإنسان في تطوره من مبدأ خلقه إلى منتهى حياته، ودقائق جسده، وإدراكه ومنطقه، وعواطفه وانفعالياته، وغرائزه وعقله، ومرضه وشفائه. إلى غير ذلك. ثم توجه في مثل ذلك إلى الحيوان إلى النبات إلى الماء والهواء إلى الأنهار والبحار إلى السهول والجبال إلى الغلاف الجوي إلى الكواكب السابحة في الفضاء إلى ما لا يحصى من آيات مذهلة، وبدائع خلقة مروعة، تخرس ألسنة المعاندين، ولا تدع لقائل مقال. وَفِي كُلّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ * تَدُلُّ عَلى أنهُ واحِدُ. نماذج من العرض القرآني لآيات الله تعالى: قال عزّ من قائل: "إنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ الله مِن السَّمَاءِ مِن مَاءٍ فَأحيَا بِهِ الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ" (البقرة 164).
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: وقد يدعى أنه لا مجال للرجوع لاطلاق الخطابات مطلقا حتى على القول بالأعم لوجهين: أولهما: ما أشار إليه شيخنا الأعظم قدس سره من أنه حيث قام الاجماع بل الضرورة على أن الشارع لا يأمر بالفاسد، فقد ثبت تقييد المسميات المذكورة في أدلتها دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لتمام ما يعتبر فيها واقعا، ولا مجال معه للتمسك بالاطلاق، لعدم الشك في التقييد، بل في تحقق القيد فلا بد من إحرازه. ويندفع بما أشار إليه قدس سره من أن عنوان الصحيح لم يؤخذ قيدا زائدا في المأمور به، ليمنع من التمسك بإطلاقه، ويجب إحرازه، بل هو منتزع من مقام الامر ومترتب عليه، لان كل ما تعلق به الامر فما يطابقه صحيح ، فإذا كان مقتضى إطلاق الخطاب تعلق الامر بالمسمى مجردا عن كل قيد كان الصحيح تمام أفراد المسمى المفروض أنه الأعم. مضافا إلى أن ذلك مختص بإطلاقات الأوامر بالعناوين المذكورة، دون إطلاقات بقية أحكامها، حيث لا ملزم بتقييدها بالصحيح . إلا أن يدعى العلم بذلك فيها أيضا. ثانيهما: ما أصر عليه قدس سره في مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين من أن جميع الأوامر الواردة في الكتاب المجيد بالعبادات كالصلاة والصوم والحج ليست واردة في مقام بيان ما هو المشروع منها، بل في مقام الحث والتأكيد عليها، مع إهمال بيانه وإيكاله إلى الخطابات المتعرضة لذلك، الواردة قبله أو التي ترد بعده. وعمم في التقريرات ذلك لخطابات السنة الشريفة أيضا، وذكر أنها إما أن تكون في مقام بيان مقدار المراد منها، ولم يشذ عن ذلك إلا شاذ. وما ذكره قدس سره قد يتم فيما ورد في مقام التأكيد على العمل والحث عليه كقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ" (البقرة 183) فمجرد تضمنه التشريع لا ينافي ثبوت الاطلاق له فيما هو المشروع، لان مقام التشريع يناسب بيان المشروع، فالاكتفاء في بيانه بذكر العنوان ظاهر في الاكتفاء به على إطلاقه. وأما ما نظر له به من قول الطبيب للمريض في غير وقت الحاجة: لا بد لك من شرب الدواء أو المسهل، وقول المولى لعبده: يجب عليك السفر غدا، حيث لا مجال للتمسك فيها بإطلاق الدواء والمسهل والسفر من شرح لها وبيان خصوصياتها المطلوبة. فهو إنما يسلم في مثل الدواء لقرينة خاصة مانعة من احتمال تعلق الغرض بصرف ماهيته، كما يقتضيه الاطلاق، للعلم باختلاف أفراده في سنخ الأثر، وتضاد كثير من آثارها، وعدم مناسبة كل مرض إلا لبعضها، دون مثل المسهل مما له جهة خاصة يمكن تعلق الغرض بها من دون فرق بين خصوصياتها، وكذا السفر، حيث يمكن تعلق الغرض بمفارقة الوطن هربا من ظالم أو تخلصا من تكليف لازم أو نحوهما.
جاء في كتاب فاجعة الطف للمرجع الاعلى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: موقف عبد الله بن عمر من الإمامة والجماعة: وقد عرف عن عبد الله بن عمر أنه لا يبايع إلا بعد اجتماع الناس على خليفة واحد، من دون نظر إلى كيفية حصول الاجتماع، وأنه هل حصل بطريق مشروع أو بطريق عدواني غير مشروع. وعنه أنه قال: (لا أقاتل في الفتنة. وأصلي وراء من غلب). وقال ابن حجر: (وكان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة، والأخرى مبطلة) . وقال زيد بن أسلم: (كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلّى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله). وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن محرز قال: (أخبرني ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر أنا وشيخ أكبر مني ـ قال: حسبت أنه قال: ابن المسيب فسألته عن الصدقة أدفعها إلى الأمراء؟ فقال: نعم. قال: قلت: وإن اشتروا به الفهود والبيزان؟ قال: نعم. فقلت للشيخ حين خرجنا: تقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا. فقلت أنا لميمون بن مهران: أتقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا). وروى نحو ذلك عنه غير واحد . وقد سبق من ابن عمر أن طلب من الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير أن يبايعا يزيد، ولا يفرقا جماعة المسلمين. وهو بذلك يعطي الشرعية لخلافة من يغلب وإن كان ظالماً باغياً قد غلب على الإمارة بالقسر والإكراه والطرق الإجرامية المنحطة. وما أكثر ما ورد في ذلك عن السلطة وأتباعها ومن سار في خطه، وعليه جرى عملهم وسيرتهم. بل حاولوا دعم ذلك بأحاديث رواها أتباع السلطة، لتكون ديناً يتدين به، كحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه. فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية) صحيح البخاري ج:8 ص:87 كتاب الفتن. وعلى ذلك جرت فتاوى كثير من فقهاء الجمهور. قال الشوكاني تعقيباً على الحديث المذكور: (فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم. فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: "مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" (البقرة 194)). وقال ابن حجر: (قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار. وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه. وأن طاعته خير من الخروج عليه. لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء. وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليه). والحديث في ذلك طويل.
https://telegram.me/buratha