الدكتور فاضل حسن شريف
عن خيثمة قال: قال عبدالله بن عمر: ان معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار، ولولا كلمة فرعون: "انا ربكم الأعلى" (النازعات 24) ما كان أحد أسفل من معاوية. عن علي عليه السلام: معاوية فرعون هذه الأمة. عن أبو حمزة الثمالي (ت : 148 هـ) : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون، وذلك بأن فرعون قال : "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" (النازعات 24). عن محمد بن عقيل (ت : 1350 هـ) : معاوية ليس من أصحاب محمد، وهو فاجر، وفرعون الذي بين الله حاله بقوله تعالى "وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ" (هود 97-99). ومن بوائقه الشنيعة المهلكة عداوته وبغضه وسبه لأخي المصطفى وابن عمه ووصيه وباب مدينة علمه وأول أصحابه إسلاما وأولهم ورودا عليه الحوض وأشجعهم وأعلمهم وأزهدهم وأحبهم إلى الله ورسوله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورزقنا حبه وأتباعه غير مكترث ذلك الطاغية ولا مبال بما ورد عن الصادق المصدوق في خطارة بغضه وعداوته وسبه.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً" (المزمل 15) إنذار للمكذبين أولي النعمة من قومه صلى الله عليه وآله بعد ما أوعد مطلق المكذبين أولي النعمة بما أعد لهم من العذاب يوم القيامة بقياس حالهم إلى حال فرعون المستكبر على الله ورسوله المستذل لرسول الله ومن آمن معه من قومه ثم قرع أسماعهم بما انتهى إليه أمر فرعون من أخذ الله له أخذا وبيلا فليتعظوا وليأخذوا حذرهم. وفي الآية التفات عن الغيبة إلى الخطاب كان المتكلم لما أوعدهم بالعذاب على الغيبة هاج به الوجد على أولئك المكذبين بما يلقون أنفسهم بأيديهم إلى الهلاك الأبدي لسفاهة رأيهم فشافههم بالإنذار ليرتفع عن أنفسهم أي شك وترديد وتتم عليهم الحجة ولعلهم يتقون، ولذا عقب قياسهم إلى فرعون وقياس النبي صلى الله عليه وآله إلى موسى عليه السلام والإشارة إلى عقابه أمر فرعون بقوله "فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً" (المزمل 17) إلخ. وقوله "كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولا" (المزمل 15) هو موسى بن عمران عليه السلام. قوله تعالى "فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلا" (المزمل 16) أي شديدا ثقيلا. إشارة إلى عاقبة أمر فرعون في عصيانه موسى عليه السلام، وفي التعبير عن موسى بالرسول إشارة إلى أن السبب الموجب لأخذ فرعون مخالفته أمر رسالته لا نفس موسى بما أنه موسى، وإذا كان السبب هو مخالفة الرسالة فليحذروا مخالفة رسالة محمد صلى الله عليه وآله. كما أن وضع الظاهر موضع الضمير في قوله "فَعَصى فِرْعَوْن" للإيماء إلى أن ما كان له من العزة والعلو في الأرض والتبجح بكثرة العدة وسعة المملكة ونفوذ المشية لم يغن عنه شيئا ولم يدفع عنه عذاب الله فما الظن بهؤلاء المكذبين؟ وهم كما قال الله "جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ" (ص 11).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى "وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55)" (الزخرف 51-55) إذا كان نبيا فلم لا يملك أسورة من ذهب؟ لقد ترك منطق موسى عليه السّلام من جهة، و معجزاته المختلفة من جهة أخرى، و الابتلاءات و المصائب التي نزلت على رؤوس أهل مصر و التي رفعت ببركة دعاء موسى عليه السّلام من جهة ثالثة، أثرا عميقا في ذلك المحيط، و زعزعت أفكار الناس و اعتقادهم بفرعون، و وضعت كل نظامهم الاجتماعي و الديني موضع سؤال و استفسار. هنا أراد فرعون بسفسطته و مغالطته أن يمنع نفوذ موسى عليه السّلام عن التأثير في أفكار شعب مصر، فالتجأ إلى القيم الواهية المنحطة التي كانت حاكمة في ذلك المحيط، و قارن بينه و بين موسى عليه السّلام من خلال هذه القيم ليبدو متفوقا على موسى، كما يذكر ذلك القرآن الكريم حيث يقول: "وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ" (الزخرف 51). أمّا موسى فما ذا يملك؟ لا شيء سوى عصا و لباس صوف! فلمن الشأن الرفيع و المكانة السامية، له أم لي؟ أهو يقول الحق أم أنا؟ افتحوا عيونكم جيدا و تأمّلوا دقيقا في المسألة. و بهذا فقد عظم فرعون القيم المبتدعة السيئة، و جعل المال و المقام و الجاه هي معايير الإنسانية، كما هو الحال بالنسبة إلى عبدة الأصنام في عصر الجاهلية في موقفهم أمام نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم. التعبير ب "نادى" (الزخرف 51) يوحي بأن فرعون عقد مجلسا عظيما لخبراء البلد و مستشاريه، و خاطبهم جميعا بصوت عال فقال ما قال، أو أنّه أمر أن يوزع نداؤه كرسالة في جميع أنحاء البلاد. و التعبير بالأنهار، المراد منه نهر النيل، بسبب أن هذا النهر العظيم كالبحر المترامي الأطراف، و كان يتشعب إلى فروع كثيرة تروي كل المناطق العامرة في مصر. و قال بعض المفسّرين: كان لنهر النيل (360) فرعا، و كان أهمها: نهر الملك، و نهر طولون، و نهر دمياط، و نهر تنيس. أمّا لماذا يؤكّد فرعون على نهر النيل خاصّة؟ فذلك لأنّ كل عمران مصر و ثروتها و قوتها و تطورها كان يستمد طاقته من النيل، من هنا فإنّ فرعون كان يدلّ به، و يفتخر به على موسى. و التعبير بتجري من تحتي لا يعني أن نهر النيل يمر من تحت قصري، كما قال ذلك جمع من المفسّرين، لأنّ نهر النيل كان أعظم من أن يمرّ من تحت قصر فرعون و لو كان المراد أنّه يمرّ بمحاذاة قصره، فإنّ كثيرا من قصور مصر كانت على هذه الحال، و كان أغلب العمران على حافتي هذا الشط العظيم، بل المراد أنّ هذا النهر تحت أمري، و نظام تقسيمه على المزارع و المساكن حسب التعليمات التي أريدها. قوله تعالى "وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47)" (الزخرف 46-47) في هذه الآيات إشارة إلى جانب ممّا جرى بين نبيّ اللّه موسى بن عمران عليه السّلام و بين فرعون، ليكون جوابا لمقالة المشركين الواهية بأن اللّه إن كان يريد أن يرسل رسولا، فلما ذا لم يختر رجلا من أثرياء مكّة و الطائف لهذه المهمّة العظمى؟ و ذلك لأنّ فرعون كان قد أشكل على موسى نفس هذا الإشكال، و كان منطقه عين هذا المنطق، إذ جعل موسى في معرض التقريع و التوبيخ و السخرية للباسه الصوفي، و عدم امتلاكه لأدوات الزينة، فقالت الآية الأولى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الزخرف 46). المراد من (الآيات): المعجزات التي كانت لدى موسى، و التي كانت يثبت حقانيته بواسطتها، و كان أهمها العصا و اليد البيضاء. (الملاء) من مادة الملأ، أي القوم أو الجماعة الذين يتبعون هدفا واحدا، و ظاهرهم يملأ العيون لكثرتهم، و قرآنيا فإنّ هذه الكلمة تعني الأشراف و الأثرياء أو رجال البلاط عادة. و التأكيد على صفة: "رَبِّ الْعالَمِينَ" (غافر 46) هو في الحقيقة من قبيل بيان مدعى مقترن بالدليل، لأنّ ربّ العالمين و مالكهم و معلمهم هو الوحيد الذي يستحق العبوديّة لا المخلوقات الضعيفة المحتاجة كالفراعنة و الأصنام. و لنر الآن ماذا كان تعامل فرعون و آل فرعون مع الأدلة المنطقية و المعجزات البينة لموسى عليه السّلام؟ يقول القرآن الكريم في الآية التالية: "فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ" (غافر 47) و هذا الموقف هو الموقف الأوّل لكل الطواغيت و الجهال المستكبرين أما القادة الحقيقيين، إذ لا يأخذون دعوتهم و أدلتهم بجدية ليبحثوا فيها و يصلوا إلى الحقيقة، ثمّ يجيبونهم بسخرية و استهزاء ليفهموا الآخرين أن دعوة هؤلاء لا تستحق البحث و التحقيق و الإجابة أصلا، و ليست أهلا للتلقي الجاد.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: وبذلك يظهر أنه لو أكره الولي على إيقاع المعاملة عن المولى عليه، وهو لا يحرز على نحو يخاف من الإضرار به لو خالفه، يستتبع الإضرار. لكن الخبر ـ مع ضعفه في نفسه، لأن في طريقه عبد الله بن القاسم المشترك بين الموثق والضعيف والمجهول ـ لابد من الاقتصار فيه على مورده، وهو اليمين، لظهور أن الإكراه يعمّ ما يقع من السلطان ويستتبع الضرر الفادح، وليس مقابلاً للجبر الحاصل من السلطان، كما تضمنه الخبر. ولاسيما بملاحظة مثل قوله تعالى: عن السحرة مع فرعون: "إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر" (طه 73)، لظهور أن حمل المولى للأمة يبتني على التخويف، نظير حمل السلطان للرعية. بل مادة الكره بالفتح تناسب القسر، ولذا تقابل بالطوع كما في كثير من الآيات الشريفة، وهو مناسب لحمل الإكراه على الدفع نحو المطلوب من طريق التخويف بالضرر الفادح، بحيث يشبه القسر الرافع للاختيار. ومن ثم لا مجال للخروج بالخبر المتقدم عن جميع ذلك.
https://telegram.me/buratha