الدكتور فاضل حسن شريف
روى شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأشبيهي في كتابه المعروف المستطرف في كل فن مستطرف عن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (إنما أمهل فرعون مع دعواه الألوهية لسهولة إذنه و بذل طعامه). لو نظرنا الى القرآن الكريم فانه يسرد قصص تأريخية لاخذ العبرة من شخوص هذا التأريخ منهم الصالحين كآدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام حتى نتبعهم، ومنهم الاشرار كالشيطان وفرعون ونمرود حتى لا نتبعهم. لذلك التأريخ مهم.
في تفسير القمي في قوله تعالى "وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى" (القصص 7) إلى آخر الآية: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنه لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعها له وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن وذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون: إنه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده فقال فرعون عند ذلك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس. وكان لفرعون قصر على شط النيل متنزه فنظر من قصره ومعه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال: هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون محبة شديدة وكذلك في قلب آسية. وأراد فرعون أن يقتله فقالت آسية: "لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" (القصص 9) أنه موسى.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى "وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (37)" (غافر 36-37) بالرغم من النجاح الذي أحرزه مؤمن آل فرعون في أثناء عزم فرعون عن قتل الكليم، عليه السّلام، إلّا أنّه لم يستطع أن يثنيه عن غروره و تكبره و تعاليه إزاء الحق، لأنّ فرعون لم يكن ليملك مثل هذا الاستعداد أو اللياقة الكافية للهداية، لذلك نراه يواصل السير في نهجه الشرير، إذ يأمر وزيره هامان ببناء برج للصعود إلى السماء كي يجمع المعلومات عن إله موسى، يقول تعالى في وصف هذا الموقف: "وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ" (غافر 36). أي لعلي أحصل على وسائل و تجهيزات توصلني الى السماوات. "أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً" (غافر 37). و لكن ماذا كانت النتيجة؟ "كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ" (غافر 37). (الصرح) في الأصل تعني الوضوح، و (التصريح) بمعنى التوضيح، ثمّ عمّم معنى الكلمة على الأبنية المرتفعة و القصور الجميلة العالية، و ذلك لأنّها واضحة و مميّزة بشكل كامل، و قد ذكر هذا المعنى العديد من المفسّرين و اللغويين. "تباب" (غافر 37) تعني الخسارة و الهلاك. إنّ أول ما يطالعنا هنا هو السؤال عن الهدف الذي كان فرعون يرغب بتحقيقه من خلال عمله هذا. هل كان فرعون بهذا المقدار من الغباء و الحماقة و السذاجة بحيث يعتقد أن إله موسى موجود فعلا في مكان ما من السماء؟ و إذا كان موجودا في السماء، فهل يستطيع الوصول إليه بواسطة إقامة بناء مرتفع يعتبر ارتفاعه تافها إزاء جبال الكرة الأرضية؟ إنّ هذا الاحتمال ضعيف للغاية، ذلك لأنّ فرعون بالرغم من غروره و تكبره، فقد كان يمتاز بالذكاء و القدرة السياسية التي أهّلته للسيطرة على شعب كبير لسنين مديدة من خلال أساليب القهر و القوة و الخداع. لذلك كلّه نرى الموقف يدعونا إلى تحليل هذا التصرف الفرعوني لمعرفة دواعيه و أهدافه الشيطانية. فمن خلال عملية التأمّل و التمحيص، يمكن أن تنتهي إلى ثلاثة أهداف كانت تكمن وراء هذا التصرّف و الأهداف هذه هي: أولا: أراد فرعون أن يختلق وضعا يعمد من خلاله إلى إلهاء الناس و صرف أذهانهم عن قضية نبوة موسى عليه السّلام و ثورة بني إسرائيل. و قضية بناء مثل هذا الصرح المرتفع يمكن أن تحوز على اهتمام الناس، و تهيمن على اهتماماتهم الفكرية، و بالتالي إلى صرفهم عن القضية الأساسية. و في هذا الإطار يلاحظ بعض المفسّرين أن فرعون خصص لبناء صرحه مساحة واسعة من الأراضي، و وظّف في إقامته خمسين ألفا من العمال و البنائين المهرة، بالإضافة إلى من انشغل بتهيئة وسائل العمل و التمهيد لتنفيذ المشروع، و كلما كان البناء يرتفع أكثر كلّما ازداد تأثيره في الناس، و أخذ يجلب إليه الاهتمام و الأنظار أكثر، إذ أصبح الصرح حديث المجالس، و الخبر الأوّل الذي يتناقله الناس، و في مقابل ذلك يتناسون قضية انتصار موسى عليه السّلام على السحرة و لو مؤقتا خصوصا مع الأخذ بنظر الإعتبار ذلك الاهتزاز العنيف الذي ألحق بجهاز فرعون و أساط الناس. ثانيا: استهدف فرعون من خلال تنفيذ مشروع الصرح اشتغال أكبر قطّاع من الناس، و على الأخص العاطلين منهم، لكي يجد هؤلاء في هذا الشغل عزاء- و لو مؤقتا- عن مظالم فرعون و ينسون جرائمه و ظلمه. و من ناحية ثانية فإنّ اشتغال مثل هذا العدد الكثير يؤدي إلى ارتباطهم بخزانة فرعون و أمواله، و بالتالي ارتباطهم بنظامه و سياساته. ثالثا: لقد كان من خطة فرعون بعد انتهاء بناء الصرح، أن يصعد إلى أعلى نقطة فيه، و يرمق السماء ببصره، أو يرمي سهما نحو السماء، و يرجع الى الناس فيقول لهم: لقد انتهى كلّ شيء بالنسبة لإله موسى. و الآن انصرفوا إلى أعمالكم براحة بال. أما بالنسبة إلى فرعون نفسه، فقد كان يعلم أنّه حتى لو ارتقى الجبال الشامخات التي تتطاول في علوها على صرحه، فإنّه سوف لن يشاهد أي شيء آخر يفترق عمّا يشاهده و هو يقف على الأرض المستوية يتطلع نحو السماء. و الطريف في الأمر هنا أنّ فرعون بعد قوله: "فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى" (غافر 37 رجع خطوة إلى الوراء فنزل عن يقينه إلى الشك، حيث قال بعد ذلك: "وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً" (غافر 37) إذ استخدم تعبير (أظن). و الجدير بالإشارة هنا أنّ القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: "كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ" (غافر 37) ذكر ثلاث قضايا ذات محتوى كبير بجمل قصيرة، حيث قال أولا: إن السبب الرئيسي في انحراف فرعون عن جادة الصواب يعود إلى تزيين عمله القبيح في نظره بسبب غروره و تكبره. ثم تناول بعد ذلك نتيجة ذلك متمثلة بالضلال عن طريق الحق و الهدى و النور. و في الجملة الثّالثة لخصت الآية مال مخططات فرعون، هذا المآل الذي تمثل بالفشل الذريع و التباب و الخسران. طبعا، يمكن للخطط السياسة و المواقف المضلّلة أن تخدع الناس شطرا من الزمان، و تؤثر فيهم لفترة من الوقت، إلّا أنّها تنتهي بالفشل على المدى البعيد. فقد ورد في بعض الرّوايات أنّ (هامان) قد زاد في ارتفاع الصرح الفرعوني إلى الدرجة التي باتت الرياح الشديدة مانعا عن الاستمرار بالعمل و عندها اعتذر هامان لفرعون عن الاستمرار بالبناء. و لكن لم تمض فترة وجيزة من الزمن حتى حطمت الرياح الشديدة ذلك البناء. و اتضح أن قوة فرعون متعلقة في ثباتها بالرياح.
قال الله سبحانه وتعالى: "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ" (البقرة 49) جاء في مجلة المصطفى عن قتل فرعون لابناء بني اسرائيل للشيخ علي المرهون: والسبب في قتل الأبناء أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فهاله ذلك ودعا السحرة والكهنة والقافة فسألهم عن رؤياه فقالوا أنه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهن لا يسقط على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولا جارية إلا تركت ووكل بهن فكن يفعلن ذلك وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا له إن الموت قد وقع في بني إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك، وولد موسى في السنة التي يذبحون. عن الدكتور مسعود ناجي ادريس في الصفحة الاسلامية لوكالة انباء براثا عن مقالته في رحاب القرآن في شهر رمضان: المغضوبين في القرآن هم أفراد مثل فرعون، وقارون، وأبو لهب، وأمم مثل عاد، وثمود، وبني إسرائيل وتم وصفهم على أنهم مغضوب عليهم.
جاء في موقع مداد حول حديث القرآن عن الفساد والمفسدين للشيخ سعد بن زيد ال محمود: والمتأمل في حديث القرآن عن الفساد والفاسدين أو الإفساد والمفسدين، سيجد أن إيقاع الفساد من قبل البشر يأتي على مراتب: منها إفسادهم أنفسهم بالإصرار على المعاصي وما يترتب عليها من مفاسد أخر. فكل معصية إفساد قال تعالى عن فرعون: "آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين" (يونس 91) وكل تولٍ عن الحق إفساد قال تعالى "فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين" (ال عمران 63) وكل إعراض عن الإيمان إفساد، قال تعالى "ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين" (يونس 40).
https://telegram.me/buratha