الدكتور فاضل حسن شريف
وردت بآياتنا وسلطان مبين: ثلاث مرات في القرآن مرتان "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين" (هود 96) (غافر 23)، والثالثة "ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين" (المؤمنون 45). جاء في معاني القرآن الكريم: بين موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطهما. قال تعالى: "وجعلنا بينهما زرعا" (الكهف 32) (ونقل هذا السيوطي عنه في الإتقان 2/209)، يقال: بأن كذا أي: انفصل وظهر ما كان مستترا منه، ولما اعتبر فيه معنى الانفصال والظهور استعمل في كل واحدة منفردا، فقيل للبئر البعيدة القعر: بيون، لبعد ما بين الشفير والقعر لانفصال حبلها من يد صاحبها. وبان الصبح: ظهر، وقوله تعالى: "لقد تقطع بينكم" (الانعام 194) (وهذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة ويعقوب وخلف وشعبة عن عاصم وان عامر الشامي برفع "بينكم"، وقرأ نافع وحفص والكسائي وأبو جعفر "بينكم" بنصب النون)، أي: وصلكم. وتحقيقه: أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها، إشارة إلى قوله سبحانه: "يوم لا ينفع مال ولا بنون" (الشعراء 88)، وعلى ذلك قوله: "لقد جئتمونا فرادى" (الانعام 94). الآية: هي العلامة الظاهرة، وحقيقته لكل شيء ظاهر، وهو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركهه بذاته، إذ كان حكمهما سواء، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق، وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنه لا بد له من صانع.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: أمّا الآيات موضع البحث فقد تحدّثت باختصار جدّا عن انتفاضة موسى و هارون على الفراعنة، و مصير هؤلاء القوم المستكبرين فقالت: "ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45). و هناك تفاسير عديدة لما تقصده كلمة (الآيات) و عبارة "سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) و ما الفرق بينهما؟ 1- قال بعض المفسّرين: إنّ (الآيات) تعني المعجزات التي أعطاها اللّه لموسى بن عمران (الآيات التسع). و تقصد عبارة "سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) المنطق القوي و البرهان الدافع لموسى عليه السّلام أمام الفراعنة. 2- التّفسير الثّاني أنّ (الآيات) تعني جميع معاجز موسى عليه السّلام، و يقصد بعبارة سُلْطانٍ مُبِينٍ بعض معاجز موسى المهمّة كعصاه و اليد البيضاء، لأنّ لهما خصائص ساعدت موسى على الإنتصار على الفراعنة. 3- و احتمل البعض أنّ كلمة (الآيات) أشارت إلى آيات التوراة، و بيان التعاليم و ما شاكل ذلك، و عبارة "سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) إشارة إلى معجزات موسى عليه السّلام. إلّا أنّه لو لا حظنا استعمالات عبارة "سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) في القرآن المجيد لوجدنا التّفسير الأوّل أقرب إلى الصواب، لأنّ كلمة "سُلْطانٍ" أو "سُلْطانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) وردت في القرآن بمعنى الدليل و المنطق الواضح. نقرأ في سورة النمل الآية (21): "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي" (النمل 21) بِسُلْطانٍ مُبِينٍ و في الآية (23) من سورة النجم نقرأ "إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ" (النجم 23). أجل بعثنا موسى و أخاه هارون بهذه الآيات و سلطان مبين إِلى "فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ" (المؤمنون 46). لماذا تتحدّث الآية فقط عن الملأ (المجتمع المترف المعاند أو ما يسمّى بطبقة الأشراف). و لم تقل أنّ رسالتهما إلى شعب مصر كلّه. لعلّ ذلك إشارة إلى أنّ الفراعنة هم أساس الفساد، و إن صلحوا فالباقون أمرهم سهل. إضافة إلى كونهم قادة البلد، و لا يصلح أي بلد إلّا بصلاح قادته. إلّا أنّهم "فَاسْتَكْبَرُوا" (المؤمنون 46) لأنّهم لم يرضوا لآيات الحقّ و السلطان المبين و الفراعنة كانوا أساسا مستكبرين طاغين، كما تقول الآية وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ. و الفرق بين العبارتين "فَاسْتَكْبَرُوا" (المؤمنون 46) "وكانُوا قَوْماً عالِينَ" أنّ العبارة الأولى قد تكون إشارة إلى استكبارهم عن دعوة موسى عليه السّلام، و العبارة الثّانية تشير إلى أنّ الاستكبار يشكل دوما برنامجهم و بناءهم الفكري و الروحي. و يحتمل أيضا أن تكون العبارة الأولى إشارة إلى تكبّر الفراعنة، و الثّانية إلى أنّهم كانوا يتمتّعون بقدرة متعالية و حياة متميّزة. و هذا سبب استكبارهم.
جاء في موقع وكالة أنباء براثا عن نفحات قرآنية للكاتب رياض البغدادي: مختصر تفسير الآيات (45-49) من سورة (المؤمنون): بسم الله الرحمن الرحيم "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)" (المؤمنون 45-49). قوله تعالى "بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) اختلفوا في الآيات فعن ابن عباس إنها الآيات التسع وهي العصا واليد والجراد والقُمَّل والضفادع والدم وانفلاق البحر والسنون والنقص من الثمرات وقيل، بآياتنا أي بديننا، فلو كان يقصد المعجزت فإن السلطان المبين أيضا معجز، وهذا يلزم عطف الشيء على نفسه إلا إن الرازي يرد على ذلك بثلاثة وجوه: الاول ربما أريد بالسلطان المبين هو العصا لان أغلب المعجزات قد تعلق بها. الثاني يجوز أن يراد بالآيات تلك المعجزات نفسها والسلطان المبين، كيفية دلالتها على الصدق. الثالث السلطان المبين هو إستيلاء موسى عليه السلام عليهم. واعلم أن الآية تدل على إن معجزات موسى هي ذاتها معجزات هارون. ثم إن الله تعالى حكى عن صفات فرعون وقومه ثم ذكر شبهتهم، فأما الصفة فكانت الإستكبار والأَنَفة وأنهم كانوا قوماً عالين، أي رفيعي الحال في إمور الدنيا.
https://telegram.me/buratha