الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن "اصْبِرُوا وَصَابِرُوا" "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿آل عمران 200﴾ اصْبِرُوا: اصْبِرُ
فعل، وا ضمير، وَصَابِرُوا: وَ حرف عطف، صَابِرُ فعل، وا ضمير، الصبر: حبس النفس على الطاعة، يا أيها الذين آمنوا اصبروا: على الطاعات والمصائب وعن المعاصي، وصابروا: الكُفَّار فلا يكونوا أشد صبرا منكم، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اصبروا على طاعة ربكم، وعلى ما ينزل بكم من ضر وبلاء، وصابروا أعداءكم حتى لا يكونوا أشد صبرًا منكم، وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم، وخافوا الله في جميع أحوالكم؛ رجاء أن تفوزوا برضاه في الدنيا والآخرة.
جاء في الحديث الشريف (وَمَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ). وعن أبى بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل، "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا" (ال عمران 200) فقال: اصبروا على المصائب، وصابروهم على التقية، ورابطوا على من تقتدون به، واتقوا الله لعلكم تفلحون. عن الباقر عليه السلام في قول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا" (ال عمران 200) قال: اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: في المعاني عن الصادق عليه السلام: في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا" (ال عمران 200) الآية اصبروا على المصائب وصابروهم على الفتنة ورابطوا على من تقتدون به وفي تفسير العياشي عنه عليه السلام: اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ورابطوا امامكم أقول وروى ما يقرب منه من طرق أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الكافي عنه عليه السلام: اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب ورابطوا على الأئمة وفي المجمع عن علي عليه السلام: رابطوا الصلوات قال أي انتظروها لان المرابطة لم تكن حينئذ أقول اختلاف الروايات مستند إلى ما تقدم من إطلاق الأوامر. وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن حيان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أ لا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب قلنا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطأ إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط: أقول ورواه بطرق أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم والاخبار في فضيلة المرابطة أكثر من أن تحصى. قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا" (ال عمران 200) الأوامر مطلقة فالصبر يراد به الصبر على الشدائد والصبر في طاعة الله والصبر عن معصيته وعلى أي حال هو الصبر من الفرد بقرينة ما يقابله. والمصابرة هي التصبر وتحمل الأذى جماعة باعتماد صبر البعض على صبر آخرين فيتقوى الحال ويشتد الوصف ويتضاعف تأثيره وهذا أمر محسوس في تأثير الفرد إذا اعتبرت شخصيته في حال الانفراد وفي حال الاجتماع والتعاون بإيصال القوى بعضها ببعض وسنبحث فيه إن شاء الله بحثا مستوفى في محله. قوله تعالى ورابطوا أعم معنى من المصابرة وهي إيجاد الجماعة الارتباط بين قواهم وأفعالهم في جميع شؤون حياتهم الدينية أعم من حال الشدة وحال الرخاء ولما كان المراد بذلك نيل حقيقة السعادة المقصودة للدنيا والآخرة وإلا فلا يتم بها إلا بعض سعادة الدنيا وليست بحقيقة السعادة عقب هذه الأوامر بقوله تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون يعنى الفلاح التام الحقيقي.
يقول الدكتور عبد الله قادري الأهدل عن الفرق بين الصبر والمصابرة: يعرف العلماء الصبر بأنه حبس النفس على ما تكره، وذلك يشمل الصبر على فعل الطاعة، ولو كرهت ذلك نفس الصابر، مثل: القيام لصلاة الفجر في أيام البرد القارص، مع شدة ثقل النوم ورغبة النفس في الاستمرار على الراحة وبقاء الجسم متغطيا بما يقيه البرد، ومثل الصبر على مقارعة الأعداء. ويشمل كذلك الصبر على ترك المعصية، مع شدة دواعيها، ورغبة النفس في اقتحام أبوابها للتمتع بما تهواه منها، مع إمكان الوصول إليها بسهولة أو بمشقة، مثل: من تتوق نفسه لتناول الخمر، أو لارتكاب فاحشة الزنا، مع تيسر ذلك، فيترك ذلك، رغبة فيما عند الله من الثواب، وخوفا مما عنده من العقاب. أما المصابرة، فهي أن يجاهد المسلم نفسه مجاهدة لا تنقطع، حتى يحقق المجاهد رضا ربه عنه، بفعل الطاعة وترك المعصية، ذاكرا قول الله تعالى: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" (الحجر 99). وقوله تعالى: "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير" (الحج 78). ومن أهم أمثلة ذلك: مصابرة المجاهد عدوه، أي أن يشارك عدوه في الصبر، ولكنه يثبت على صبره ويلازمه ويستمر عليه حتى ينفد صبر عدوه وهو ثابت، فينتصر على عدوه ويهزمه، وقد يكون صبره دقائقَ محدودةً مصابرةً، ونفاد صبره في الدقائق هزيمة. ولهذا أمر الله تعالى بالصبر والمصابرة معا، فقال تعالى: "ياأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (آل عمران 200) فلم يكتف بالأمر بالصبر وحده. وهنالك آيات تدل على أن هذه المصابرة لا تكون إلا مع الشدة والضيق اللذين لا يثبت فيهما ويصبر عليهما إلا الأشداء من الرجال، كما قال تعال عن حالة المسلمين في غزوة الأحزاب: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا" (الاحزاب 10-11)، و "ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما" (الاحزاب 22) الآيات الثلاث من سورة الأحزاب. وقال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" (البقرة 214)، وقال: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" (آل عمران 142).
https://telegram.me/buratha