الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن غسق ومشتقاتها "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا" ﴿الإسراء 78﴾ غسق اسم، غسق الليل: ظلمته أو شدة ظلمته، و الغسق: ظلمة أول الليل، غَسَقِ اللَّيْلِ: ظلمة الليل، و "هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ" ﴿ص 57﴾ وَغَسَّاقٌ: وَ حرف عطف، غَسَّاقٌ اسم، وغسَّاق: بالتخفيف والتشديد: ما يسيل من صديد أهل النار، هذا العذاب ماء شديد الحرارة، وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه، ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان، و "إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا" ﴿النبإ 25﴾ وَغَسَّاقًا: وَ حرف عطف، غَسَّاقًا اسم، وغسَّاقا: بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار فإنهم يذوقونه جوزوا بذلك، إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم، للكافرين مرجعًا، ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع، لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم، إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار، يجازَون بذلك جزاء عادلا موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، و "وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" ﴿الفلق 3﴾ غاسق اسم، الغاسق: الليل، الظلمة. و قيل: البارد. و قيل: هو الشمس إذا غابت. و القمر وقت زُحل. أو هو كناية عن خسوف القمر و اسوداده، شرّ غاسق: شرّ الليل، ومن شر غاسق إذا وقب: أي الليل إذا أظلم والقمر إذا غاب، ومن شر ليل شديد الظلمة إذا دخل وتغلغل، وما فيه من الشرور والمؤذيات.
جاء في معاني القرآن الكريم: غسق: غسق الليل: شدة ظلمته. قال تعالى: "إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ" (الاسراء 78)، والغاسق: الليل المظلم. قال: "وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" ﴿الفلق 3﴾، وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق، وقيل: القمر إذا كسف فاسود. والغساق: ما يقطر من جلود أهل النار، قال: "إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا" ﴿النبإ 25﴾.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "هََذََا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ" (ص 57) شديد الحرارة و هو خبر لهذا "وَغَسََّاقٌ" (ص 57) قيح شديد النتن. "وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوََاجٌ" (ص 58) أشكال و ألوان من العذاب للطغاة أيضا غير الحميم و الغساق. قوله تعالى "إِلاََّ حَمِيماً وَ غَسََّاقاً" (النبأ 25) الحميم، شديد الغليان بنص الآية 46 من الدخان "يَغْلِي فِي اَلْبُطُونِ `كَغَلْيِ اَلْحَمِيمِ" (الدخان 46) و الغساق. القيح و ما أشبه كما قيل.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً" (الاسراء 78) بعد سلسلة الآيات التي تحدثت عن التوحيد و الشرك و عن مكائد المشركين و مؤامراتهم، تبحث هذه الآيات عن الصلاة و الدعاء و الارتباط باللّه و التي تعتبر عوامل مؤثّرة في مجاهدة الشرك، و وسيلة لطرد إغواءات الشيطان من قلب و روح الإنسان. "دلوك الشمس" (الاسراء 78) يعني زوال الشمس من دائرة نصف النهار و التي يتحدّد معها وقت الظهر. و في الأصل فإنّ "دلوك" مأخوذة من دلك حيث أنّ الإنسان يقوم بدلك عينيه في ذلك الوقت لشدّة ضوء لشمس. أو أنّ كلمة دلك تعني الميل حيث أنّ الشمس تميل من دائرة نصف النهار من طرف المغرب. أو أنّها تعني أنّ الإنسان يضع يده في قبال الشمس حيث يقال بأنّ الشخص يمنع النور عن عينيه و يميله عنه. على أي حال، في الرّواية التي وصلتنا عن أهل البيت عليهم السّلام توضح لنا أنّ معنى "دلوك" هو زوال الشمس. فقد روى العاملي في وسائل الشيعة أنّ عبيد بن زرارة سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن تفسير الآية فقال عليه السّلام: (إنّ اللّه افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس، إلّا أنّ هذه قبل هذه، و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه). و في رواية أخرى رواها المحدّث الكبير زرارة بن أعين عن الإمام الباقر عليه السّلام، في تفسير الآية قال عليه السّلام: (دلوكها زوالها، و غسق الليل إلى نصف الليل، ذلك أربع صلوات وضعهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وقتهنّ للناس، و قرآن الفجر صلاة الغداة). لكن وضع بعض المفسّرين احتمالات أخرى لمعنى "دلوك" إلّا أنّا آثرنا تركها لأنّها لا تستحق الذكر. و أمّا "غسق الليل" (الاسراء 78) فإنّها تعني منتصف الليل، حيث أنّ "غسق" تعني الظلمة الشديدة، و أكثر ما يكون الليل ظلمة في منتصفه. أمّا "قرآن" فهي تعني كلاما يقرأ. و "قرآن الفجر" (الاسراء 78) هنا تعني صلاة الفجر. و بهذا الدليل تعتبر هذه الآية من الآيات التي تشير بشكل إجمالي إلى أوقات الصلوات الخمس. و مع أخذ الآيات القرآنية الأخرى بنظر الإعتبار في مجال وقت الصلوات و الرّوايات الكثيرة الواردة في هذا الشأن، يمكن تحديد أوقات الصلوات الخمس بشكل دقيق. و يجب الانتباه هنا إلى أنّ بعض الآيات تشير إلى صلاة واحدة فقط، كقوله تعالى: "حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى" (البقرة 238). حيث "الصلاة الوسطى" (البقرة 238) وفقا لأصح التفاسير هي صلاة الظهر. و في بعض الأحيان تشير الآية إلى ثلاث صلوات من الصلوات الخمس كما في الآية (114) من سورة هود، في قوله تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ" (هود 114) حيث يشير تعبير طَرَفَيِ النَّهارِ إلى صلاتي الصبح و المغرب، و أمّا زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ فهي إشارة إلى صلاة العشاء. و في بعض الأحيان تشير الآية إلى الصلوات الخمس بشكل إجمالي، كما في الآية التي نبحثها. على أي حال، لا يوجد ثمّة شك في أنّ هذه الآيات لم توّضح جزئيات أوقات الصلاة، بل تشير إلى الكليات و الخطوط العامّة، مثلها مثل الكثير من الأحكام الإسلامية الأخرى، أمّا التفاصيل فإنّها وردت في سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة الصادقين من أهل بيته عليهم السّلام. الآية بعد ذلك تقول: "إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً" (الاسراء 78) و هنا يطرح سؤال حول هوية الذي يقوم بالمشاهدة، من هو يا ترى؟ الرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية تقول إنّ ملائكة الليل و النهار هي التي تشاهد، لأنّه في بداية الصباح تأتي ملائكة النهار لتحل محل ملائكة الليل التي كانت تراقب العباد، و حيث أنّ صلاة الصبح هي في أوّل وقت الطلوع، لذلك فإنّ المجموعتين من الملائكة تشاهدها و تشهد عليها. و الرّوايات في هذه المجال نقلها علماء الشيعة و السنّة.
https://telegram.me/buratha