الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن جزاء ومشتقاتها "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" ﴿سبإ 37﴾ جزاء اسم، جَزَاءُ الضِّعْفِ: تضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، لهم جزاء الضّعف: لهم الثواب المضاعف، وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى، وترفع درجاتكم، لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات، فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة، وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان، و "لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ" ﴿الزمر 34﴾ لهم ما يشاؤون عند ربهم من أصناف اللذات المشتهيات، ذلك جزاء مَن أطاع ربه حق الطاعة، وعبده حق العبادة، و "ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" ﴿فصلت 28﴾ هذا الجزاء الذي يُجزى به هؤلاء الذين كفروا جزاء أعداء الله النار، لهم فيها دار الخلود الدائم، جزاء بما كانوا بحججنا وأدلتنا يجحدون في الدنيا، والآية دالة على عظم جريمة من صرف الناس عن القرآن العظيم، وصدهم عن تدبره وهدايته بأيِّ وسيلة كانت، و "أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" ﴿الأحقاف 14﴾ أولئك أهل الجنة ماكثين فيها أبدًا برحمة الله تعالى لهم، وبما قدَّموا من عمل صالح في دنياهم.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: خصلة الأبرار هي الإخلاص، فيقول: "إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً" (الانسان 9) إنّ هذا المنهج ليس منحصرا بالإطعام، إذ أنّ جميع أعمالهم خالصة لوجه اللّه تعالى، و لا يتوقعون من الناس شكرا و تقديرا، و أساسا فإنّ قيمة العمل في الإسلام بخلوص النيّة و إلّا فإنّ العمل إذا كان بدوافع غير الهية، سواء كان رياء أو لهوى النفس، أو توقع شكر من الناس أو لمكافات مادية، فليس لذلك ثمن معنوي و إلهي. و قد أشار النّبي صلّى اللّه عليه و آله إلى ذلك إذ قال: (لا عمل إلّا بالنيّة و إنّما الأعمال بالنيات). قال ابن عباس: إنّ الحسن و الحسين مرضا فعادهما الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي و فاطمة و فضة جارية لهما إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام (طبقا لبعض الرّوايات أنّ الحسن و الحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفيا و ما كان معهم شيء، فاستقرض علي عليه السّلام ثلاث أصواع من شعير فطحنت فاطمة صاعا و اختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، و قال: السلام عليكم، أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلّا الماء و أصبحوا صياما. فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (و باتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلّا الماء و أصبحوا صياما) و وقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين و أقبلوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: (ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم) فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، و غارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السّلام و قال: خذها يا محمد هنّاك اللّه في أهل بيتك فأقرأه السورة. و قيل: إنّ الذي نزل من الآيات يبدأ من: "إِنَّ الْأَبْرارَ" حتى "كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً" و مجموعها (18) آية. ما أوردنا هو نص الحديث الذي جاء في كتاب الغدير بشيء من الاختصار كقدر مشترك و هذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، و ذكر في الغدير أنّ الرّواية المذكورة قد نقلت عن طريق عالما من علماء أهل السّنة المشهورين (مع ذكر اسم الكتاب و الصفحة). و على هذا، فإنّ الرّواية مشهورة، بل متواترة عند أهل السنة. و اتفق علماء الشيعة على أنّ السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي و فاطمة عليهما السّلام، و أوردوا هذه الرّواية في كتبهم العديدة و اعتبروها من مفاخر الرّوايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و اشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنّها وردت في شعر (الإمام الشافعي).
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن مصير ومشتقاتها "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ﴿الحج 72﴾، و "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" ﴿النور 42﴾، و "لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ﴿النور 57﴾، و "قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا" ﴿الفرقان 15﴾ وَمَصِيرًا: وَ حرف عطف، مَصِيرًا اسم، جزاءً: ثوابا، ومصيرا: مرجعا، قل لهم أيها الرسول: أهذه النار التي وُصِفتْ لكم خيرٌ أم جنة النعيم الدائم التي وُعِد بها الخائفون من عذاب ربهم، كانت لهم ثوابًا على عملهم، ومآلا يرجعون إليه في الآخرة؟
تكملة للحلقات السابقة جاء في موقع الوكةالشرعية عن لفظ الجزاء في القرآن: من خلال هذه الجولة مع لفظ الجزاء في القرآن، يتضح من غير ما سبق ذكره من معانيه: أن الجزاء على الأعمال خيريًّا كان أو شريًّا قد يكون دنيويًّا، وقد يكون أخرويًّا. وأن الجزاء الشري قد يكون دنيويًّا بالتشريع، وقد يكون بالأقدار. أن جزاء الأعمال الصالحات قد يكون بالأقدار الخيرية في الدنيا والآخرة. أن الجزاء قد يكون من الله، وقد يكون من خلقه. أن تخصيص الجزاء بالعقوبة غير أصيل في الشرع، وإنما هو "تخصيص"، وقصرٌ للعام على بعض ألفاظه.
روى الصدوق في توحيده بسنده عن ابن أبي عمير ، قال : سمعت موسى ابن جعفر عليهما السلام يقول (لا يخلّد الله في النار إلّا أهل الكفر والجحود، وأهل الضلال والشرك). وكتب الإمام الرضا عليه السلام للمأمون في رسالته (انّ الله لا يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم). وقد روى الفريقان انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال (ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي).
https://telegram.me/buratha