الصفحة الإسلامية

كلمات مترابطة في القرآن الكريم (جزاءا و مصيرا أو الجزاء و المصير) (ح 7)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن مصير ومشتقاتها "صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ" ﴿الشورى 53﴾ تصير فعل، ألا إلى الله تصير الأمور: ترجع، ألا إلى الله أيها الناس ترجع جميع أموركم من الخير والشر، فيجازي كلا بعمله: إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، و "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ" ﴿ق 43﴾، و "فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ﴿الحديد 15﴾، و "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ﴿المجادلة 8﴾، و "عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" ﴿الممتحنة 4﴾.

وان الاعتصام بحبل الله هو التمسك بالكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسبيل المؤمنين كما قال الله تعالى "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" (النساء 115). قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وعترة أهل بيتي). لاحظ أن الوعد رافق الجزاء والمصير "قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا" ﴿الفرقان 15﴾.

جاء في کتاب التشريع الإسلامي مناهجه و مقاصده للسيد محمد تقي المدرسي: والقيمة المثلى ليست الثروة او الكثرة، وانما الايمان والعمل الصالح الذي يجزيه الرب جزاءً مضاعفاً، يتمثل في الجنة والأمن. قال الله ربنا سبحانه: وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى الَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِك لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ (سبأ 37). واذا نظرنا الى تاريخ القرى الغابرة، رأينا كيف دمرت بسبب الكفر والظلم، بينما بقيت مدن بسبب الايمان والعمل الصالح. ان ذلك يهدينا الى سنة الله في الجزاء في الاخرة ايضاً. وهكذا بيّن ربنا سبحانه هذه البصيرة بعد التذكرة بمصير الغابرين (الروم 42)، وقال سبحانه: "مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِانفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" (الروم 44-45) وفي كلمة "مِن فَضْلِهِ" دلالة على عظيم جزاء الله، لانه من فضله سبحانه، وفضله كبير. كما ان فيه دلالة على ان الجزاء سنة الهية تتصل برحمته، ولا حق لنا عليه تعالى إلّا بما كتب على نفسه. والجزاء المادي لا يسمو الى الجزاء المعنوي حيث الترحاب من ملائكة الرحمة، وحيث الفخامة والكرامة بالاجتماع (فانهم يدخلون الجنة في صورة وفد محترم زمرا). قال الله تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" (الزمر 73). والجنة هي الرحلة الى الخلد، هي المصير والعاقبة، فلا موت بعدها، ولا تحول منها، ولا نهاية. أوليس ذلك جزاء موفور؟ قال الله تعالى: "قل أذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيرا" (الفرقان 15). للانسان هامش واسع من الاختيار يبتليه الرب به، وفي حدود هذا الهامش يقع مصير البشر، حيث أوكله الله الى نفسه. وبعد أن هداه النجدين وجعل الجزاء تابعاً لما أراده لنفسه، فإن أحسن أحسن لنفسه، وإن أساء أساء لنفسه. في الاخرة، فان مصير المكذبين نار لا يموت الكافر فيها ولا يحيى. قال الله تعالى: "لَا يَصْلَاهَآ إِلَّا الاشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى" (الليل 15-16) ومن هذه الاية نستفيد، ان التكذيب علامة الشقاء. ومن يكذب بالحقائق لا يعمل وفقها، بل تراه يكتسب الموبقات ويلقى جزاءه عليها جزاءا وفاقا، قال ربنا الجبار: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَاخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (الاعراف 96).

جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن هل من العدل إخلاد المعاندين في النار؟ للشهيد مطهري: وحدة المصير واستقلاليته: الفرق الذي نجده بين الدّنيا والآخرة هو أنّ مصائر النّاس مشتركة في الدّنيا بدرجةٍ معيّنة، أمّا في الآخرة فلكلٍّ مصيره الخاصّ به. في عالم الدّنيا يحترق الأخضر واليابس أو يأمنان معًا من الاحتراق، وفي المجتمع الذي يضمّ الصّالحين والمنحرفين، ينتفع المنحرفون من الأعمال الصّالحة للمحسنين، كما أنّ الأبرياء يتضرّرون من فساد المنحرفين، وهذا ما لا تجده في عالم الآخرة، فلا ينتفع أحد من ثمار صالحات أعمال غيره، ولا يتضرّر أحد من العذاب الذي ينزل بالمسيئين، "هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ" (الصافات 21)، يفصل بين الخير والشرّ، وبين الأبرار والأشرار، ويتوجّه فيه الخطاب للعاصين، "وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ" (يس 59)، بل ويُفصل بين الابن وأبيه، يتلقّى كلّ فرد جزاء أعماله: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" (الانعام 164). عدم وجود التّرابط المصيري بين الأفراد والتّأثير المتبادل فيما بينهم وتبادل المنافع المعنويّة والأخلاقيّة ونظائرها من الظّواهر الاجتماعيّة المألوفة في عالم الدّنيا، والتي تكون نتيجتها تشكيل المجتمع الذي هو عبارة عن تركيبٍ حقيقيّ بين الأفراد الذين يشتركون في وحدة المصير. هذا هو ما لا نجده في عالم الآخرة، أمّا الحياة الجماعيّة فهي موجودة في الجنّة وفي النّار أيضًا مع فارقٍ مهمّ هو أنّ مجتمع الصّالحين في الجنّة مفعم بأجواء الإلفة والأنس والمودّة يكونون "إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ" (الحج 47)، أمّا مجتمع الأشرار فهو موبوء بالكراهيّة، وتبرّأ بعضهم من بعضهم الآخر: "كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَ" (الاعراف 38)، "إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّار" (ص 64).

تكملة للحلقتين السابقتين جاء في موقع مع الله عن مفهوم الْمَصِيرُ في القرآن الكريم: 3- بيان سوء مصير المكذبون: قال الله تعالى: "قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الزمر 15) قل أيها الرسول: إن الخاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان. ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البيِّن الواضح. قال الله تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" (الزمر 71) وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات، حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكَّلون بها أبوابها السبعة، قال الله تعالى: "يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ" (الطور 13-14) يوم يُدْفَع هؤلاء المكذبون دفعًا بعنف ومَهانة إلى نار جهنم، ويقال توبيخًا لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذِّبون.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك