الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ﴿آل عمران 61﴾، و "بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿الأنعام 28﴾، و "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿الأعراف 66﴾، و "لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿التوبة 42﴾، و "عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ" ﴿التوبة 43﴾، و "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿التوبة 107﴾، و "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" ﴿هود 27﴾، و "وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ" ﴿هود 93﴾، و "قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿يوسف 26﴾، و "قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ" ﴿يوسف 74﴾، و "لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ" ﴿النحل 39﴾، و "وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿النحل 86﴾، و "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ" ﴿النحل 105﴾، و "قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ" ﴿المؤمنون 26﴾، و "قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ" ﴿المؤمنون 39﴾، و "بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿المؤمنون 90﴾، و "وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿النور 7﴾.
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام وفي نسخة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له وأنا عنده إن سالم بن حفصة روى عنك أنك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج. قال: ما يريد سالم مني؟ أيريد أن أجيء بالملائكة فوالله ما جاء بهم النبيون، ولقد قال إبراهيم "إِنِّي سَقِيمٌ" (الصافات 89) وو الله ما كان سقيما وما كذب، ولقد قال إبراهيم "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ" (الانبياء 63) وما فعله كبيرهم وما كذب، ولقد قال يوسف "أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ" (يوسف 70) والله ما كانوا سرقوا وما كذب.
اختار النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم عليا مصداقا لنفسه كما جاء في احاديث شريفة انه نفس علي وهو لا ينطق عن هوى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4)، وفاطمة مصداق للنساء ليس فقط كونها ابنته بل تحمل عقيدته لان زوجة نوح عليه السلام مثال لمصداق النساء التي لا تحمل عقيدة ازواجهن بل عدوة الله "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" (التحريم 10)، والحسن والحسين ابناء الرسول ومن اهله لانهما يحملان عقيدته وان لم يكونا من صلبه المباشر كون ابن نوح عليه السلام من صلبه ولكن ليس من اهله "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ" (هود 46). وكان مسير النبي محمد اولا تليه فاطمة ثم علي وبعده الحسن والحسين عليهم السلام للدلالة على ذرية النبي المتعاقبة كما هي ذرية الانبياء السابقين والتي اشارت اليها ايات سورة ال عمران من اية 33 الى 61 ومنها "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم" (ال عمران 33-34). ان لكل نبي ثقل من اهله كما جاء في الحديث الشريف (ان لكل نبي اهلا وثقلا وهؤلاء اهل بيتي وثقلي) مشيرا الى علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام " فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ" (ال عمران 61).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ" (ال عمران 61). سبب النّزول: قيل نزلت الآيات في وفد نجران العاقب و السيد و من معهما قالوا لرسول اللّه: هل رأيت ولدا من غير ذكر فنزلت: "إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ" (ال عمران 56) الآيات فقرأها عليهم، فلمّا دعاهم رسول اللّه إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلمّا رجعوا إلى رجالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمّد في غد فإن غدا بولده و أهله فاحذروا مباهلته، و إن غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء. فلمّا كان الغد جاء النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم آخذا بيدي علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن عليه السّلام و الحسين عليه السّلام بين يديه يمشيان و فاطمة عليها السّلام تمشي خلفه، و خرج النصارى يتقدمهم أسقفهم. فلمّا رأى النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد أقبل بمن معه فسأل عنهم فقيل له: هذا ابن عمّه و زوج ابنته و أحب الخلق إليه، و هذان ابنا بنته من علي و هذه الجارية بنته فاطمة أعزّ الناس عليه و أقربهم إلى قلبه، و تقدّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فجثا على ركبتيه. قال أبو حارثة الأسقف جثا و اللّه كما جثا الأنبياء للمباهلة. فرجع و لم يقدم على المباهلة، فقال السيد: أذن يا أبا حارثة للمباهلة! فقال: لا. إنّي لأرى رجلا جريئا على المباهلة و أنا أخاف أن يكون صادقا و لئن كان صادقا لم يحل و اللّه علينا حول و في الدنيا نصراني يطعم الماء. فقال الأسقف: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك و لكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على الفي حلة من حلل الاواقي قسمة كلّ حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك أو على عارية ثلاثين درعا و ثلاثين رمى و ثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، و رسول اللّه ضامن حتّى يؤديها و كتب لهم بذلك كتابا. و روي أن الأسقف قال لهم: إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لازاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
عن كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ" (المائدة 70)، فمن المعلوم أنه ربما كان المكذبون غير القاتلين، وقد نسب الجميع إلى مجتمع واحد لكن دل على استمرار مجيء الرسول، ونظيره قوله "ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ" (التغابن 6)، وكذا قوله في قصص الأنبياء بعد نوح "ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ" (يونس 14). قوله تعالى "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ" (الانعام 21) استفهام إنكاري أي لا أحد أظلم وأشد إجراما من هذين الفريقين: المفتري على الله كذبا، والمكذب بآياته فإن الظلم يعظم بعظمة من يتعلق به وإذا اختص بجنب الله كان أشد الظلم. وظاهر سياق الاحتجاج في الآيتين أن هذه الآية من تمامها والمعنى: لا أجيبكم إلى ما اقترحتم علي من الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله فإن ذلك ليس إلي ولا لي حق فيه، ولو أجبتكم إليه لكنت أظلم الناس وأشدهم إجراما ولا يفلح المجرمون فإني لو بدلت القرآن وغيرت بعض مواضعه مما لا ترتضونه لكنت مفتريا على الله كذبا ولا أظلم منه ، ولو تركت هذا القرآن وجئتكم بغيره مما ترتضونه لكنت مكذبا لآيات الله، ولا أظلم منه.
https://telegram.me/buratha