الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير عن المحور الخاص بخصوص شبهة عصمة الانبياء عليهم السلام: 4 ـ الهمّ اليوسفي: ومنشأ هذه الشبهة فهم هؤلاء للآيتين الكريمتين "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْ لاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف 23-24)، وقد: روى القوم من الأقاصيص التي تقشعر لهولها الأبدان وهم يزرون على نبي صدّيق من أنبياء الله المصطفين ، فلقد روى السيوطي عن عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي شيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس قوله: لما همّت به تزيّنت ثم استلقت على فراشهما، وهمّ بها وجلس بين رجليها يحلّ تبانه نودي من السماء: يا بن يعقوب لا تكن كطائر ينتف ريشه فبقي لا ريش له، فلم يتعظ على النداء شيئاً. وعن ابن جرير وأبي الشيخ وأبي نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: حلّ الهميان يعني السراويل وجلس منها مجلس الخاتن فصيح به: يا يوسف. وقد أعظموا الفرية فنسبوا لأمير المؤمنين وللصادق صلوات الله عليهما القول بأنها استحت من صنم لها فغطته فتذكّر. ولا أريد أن أتحدّث كثيراً عن هذه الشبهة، فقد ناقشناها في موضع آخر، ولكن وددت أن أشير إلى حقيقة أساسية ونحن نقرأ هذه الأكاذيب التي وصمت نبياً من أنبياء الله، فهو لم يسلم من تشويه الشخصية رغم أنّ الله سبحانه قد برأه بنفسه وسمّاه بالمخلص، وبرأه زوج المرأة التي يتهمونه بها، وكذا فعل شاهد أهلها الذي تحدّث عن قميصه المقدود من دبر ليعرفهم انه كان هارباً، على عكس ما لو كان قد شقّ من قبل، وبرأته المرأة نفسها وأكدت انها هي التي راودته عن نفسه ولكنه استعصم، ثم أعادت هذا الاعتراف حينما حصحص الحق، وما بين ذلك فقد طفح النص القرآني بكيل المديح والثناء لشخصه مع التركيز على عفته ونجابته وأمانته، ولكن مع ذلك فأنت لا زلت تقرأ في ما يسمونه بكتب التفسير والحديث والتراث مثل هذا الغثاء الذي يثير القرف والاشمئزاز ، وهو يتناول شخصية عظيمة من خواص الأنبياء.
وعن شبهة عصمة النبي موسى عليه السلام يقول الشيخ جلال الدين الصغير: 5 ـ وكز موسى عليهالسلام: ومنشأ هذه الشبهة الآية الكريمة: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ" (القصص 14-17)، وقد رأوا في قوله عليهالسلام: هذا من عمل الشيطان، وقوله: ظلمت نفسي، وكذا طلبه المغفرة اعترافاً بعدم عصمته أو جوّزوا وقوعه في الخطأ. غير إننا لا نجد في هذا النص أي دليل على القدح بعصمته، فمن جهة نذكّر بما أشرنا إليه من قبل في شأن الضوابط التي تحكم مقام النبوة وطبيعة النص القرآني وخصائصه، لا سيما وأن هذا النص في نظرته لشخصية موسى عليهالسلام ، قد أكبره بما لا مجال معه للظن بهذه الشخصية إلا بما يوجب رفعتها وسموها، فلقد وصف عليهالسلام في هذا النص بأوصاف فيها من التمجيد والثناء الشيء الكثير، وكيف يمكن له أن يقع في المعصية، وقد وصف كتابه بالإمام والرحمة "وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ" (الاحقاف 12) والفرقان والضياء والذكر للمتقين "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ" (الانبياء 48) فإن كانت هذه المواصفات لا تعطيه نوراً في ما يفعل ويترك ، فأي مصداقية لها في هذا المجال؟ مع العلم أن عملية القتل تمت بعد أن أوتي كل ذلك، وهذا ما يجعل تأويل النص بما ينسجم مع هذه الأوصاف أمراً لا مندوحة عنه. ولا يشير سياق القصة إلى ما يخل بشخصية النبي موسى عليهالسلام، فلقد دخل المدينة بعد أن أثبت مؤهليته لتحمل العهد الإلهي وأوتي من الحكمة والعلم الإلهيين ما جعله قادراً على الشروع برسالته ، ولقد جاء إلى المدينة ليعلن عن هذه الدعوة، ولهذا فمن المعيب جداً أن نتصور النص القرآني وهو يقدم هذه الأوصاف المجيدة لشخصيته، ولكنه ما أن يبدأ بسرد قصة دعوته حتى يبرز موسى بالشخصية المتعثرة في أول حركتها الرسالية، ففيه من التناقض والتكذيب للوصف الإلهي الشيء الكثير.
ويستطر الشيخ الصغير قائلا: ولا يمكن تصوّر الشيطان وهو يحس بحجم هجمة الإيمان العظيمة على مواقعه والمتمثلة ببعث موسى أن يقبع حاسراً مستسلماً، بل إن الصحيح هو أي يحشد امكانياته كي يعيق الحركة الموسوية، وبما أنّ تصوّر تدخل الشيطان في شخصية موسى أمراً مستحيلاً، لأن هذا التدخل يخرج عن مستطاع قدرات الشيطان الذي منع منعاً إليهاً من التأثير على أولياء الله سبحانه كما أشار إليه قوله تعالى: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً" (الاسراء 65)، ولهذا لا بد من التفتيش عن الجهد الشيطاني في الساحة الخارجة عن شخصية موسى، ولهذا أثار المشكلة بين القبطي وبين أحد أفراد بني إسرائيل ، لما في هذه المشكلة من امكانيات إثارة فرعون وقومه ضد موسى عليهالسلام وقومه ، وعليه فإن اشارته إلى الشيطان وعداوته تكمن في هذه النقطة بالذات. ولا يظهر تدخل موسى عليه السلام لنصرة الإسرائيلي أي مجال للقدح بشخصيته، فلقد وكز الرجل القبطي وفي العبارة من الوضوح بشكل تطمئن النفس إليه بأنه لم يتعمد القتل، ولكنها ضربة في الدنيا يمكن لها أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة خاصة مع ملاحظة قوة بدن موسى عليه السلام ، وشاءت الارادة الإلهية أن تأتي الضربة على حياة الرجل ، ومن الواضح أن عدم التعمد لفعل معين لا يرتب أي أثر معنوي على فاعله، رغم ان آثاره المادية قد تتفاعل باتجاهات متعددة ، مثله مثل من يشرب السم بتصور انه ماء، فهو لن يعاقب لشربه السم، وإنما ينظر إليه كأي شارب للماء، رغم أن السم قد يقضي على حياته، ولهذا فإن الظلم المتحدّث عنه في هذه الآية، لن يتوجه لموسى عليه السلام بأي شكل من الأشكال، وستكون نسبته الظلم لنفسه عندئذ ناظرة إلى الآثار الاجتماعية التي ستترتب على عملية قتل القبطي، وهو الذي يتناسب أيضاً مع تعريضه بالاضلال المبين للشيطان، ومعه يغدو طلبه للمغفرة واضحاً، فهي مغفرة واضحاً، فهي مغفرة تستهدف محو أو تخفيف الآثار الاجتماعية الناجمة عن ذلك، ولهذا أوكلها إلى الله وطلبها منه ، لأنه الماسك لأزمّة القلوب، وقد جاءت الاستجابة الإلهية فورية مقرونة بالرحمة لتأكيد هذا المفهوم من دون أن تتصاحب هذه المغفرة بعمل معين لجلبها سوى دعائه عليه السلام.
https://telegram.me/buratha