الدكتور فاضل حسن شريف
وفي المحور الخاص من كتابه عصمة المعصوم عن شبهات حول عصمة الانبياء عليهم السلام يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن النبي أيوب عليه السلام: 6 ـ نصب الشيطان لأيوب عليه السلام : وتطرح الآية الكريمة "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" (ص 41-42) مجالاً للعقول الضيقة كي تؤسس عليها فهماً للقدح بعصمة الأنبياء عليهم السلام، فالنبي أيوب عليه السلام هو من يقول: إن الشيطان قد أصابه بنصب وعذاب، ولا شيطان مع العصمة. وأمر هذه الشبهة هينٌ جداً، لا سيما ونحن نستمع إلى القرآن الذي يصفه بأوصاف محببة كما في قوله تعالى "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (ص 44)، ومع ملاحظة أن جهد الشيطان الرجيم الذي يتحدث عنه النبي أيوب عليهالسلام هنا هو جهد مادي، باعتبار أن الجهد الروحي خارج قدرة الشيطان لما أشرنا إليه سابقاً، إذن لا مجال لتصوّر مساس نصب الشيطان وعذابه بروح أيوب عليه السلام وبشخصيته المعنوية ومقامه النبوي، وإنما هو أمر عارض من الخارج، هذا إن قلنا بأن الشيطان هنا هو إبليس لعنه الله، ولكن الظاهر حمله على غير إبليس من مفردات الشيطنة، فهو إلى السبب المؤدي لمرضه عليه السلام أقرب منه إلى أي شيء آخر، فالعرب تسمّي كل خبيث من الجن أو الإنس أو الدواب بالشيطان، ويؤكد هذا المعنى أن العلاج المطروح وهو التحرك إلى المغتسل البارد أنسب إلى هذا الحمل منه إلى غيره ، إذ لا دخل للمغتسل البارد ولا للشراب بإبليس.
وعن عصمة النبي داود عليه السلام يقول الشيخ جلال الدين الصغير: 7 ـ قصة داود عليه السلام مع المتخاصمين: وهي القصة التي وردت في سورة ص، إذ قال الله حاكياً عنها "وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ" (ص 21-25)، وقد فسرها القوم على طريقتهم ، ونلخّص القصة من مجموع رواياتهم ، فقد ادعوا أن داود رأى طائراً مذهّباً فيه من كل الألوان فأعجبه فأراد أن يأخذه فقفز فلحقه، وكان كلما ذهب إلى مكان قفز وراءه، حتى تسوّر حائطاً لبيت أوريا أحد قادة جنده فنظر في البيت إلى امرأته وهي عارية تغتسل، فاستترت منه بشعرها، فطمع فيها أكثر، فأرادها لنفسه فكتب الرأس الغزاة أن يحتال لكي يجعل أوريا زوجها في مشارب القتل بهدف قتله، فلما قتل أوريا اصطفاها لنفسه، وتزوجها فأرسل الله الملكين يذكرانه بخطيئته، فلما عرف بذلك راح يبكي أربعين ليلة حتى نبت العشب من دموعه. وهذه القصة المزرية التي لا تليق برجل عادي فضلاً عن أن يكون نبيّاً في مقام داود عليه السلام، كلها مأخوذة من التوراة في جميع فصولها ما عدا أن التوراة قالت بأن داود ضاجع المرأة قبل قتل زوجها، وهي على أي حال من المخزيات، فعجباً لقوم يؤمنون أن نبياً لهم له من الأخلاق والصفات ما لو اجتمع بعضها لدى اعرابي من الأعراب ما قبلوا له شهادة فهو حسب مروياتهم: نزق يقفز من بيت لآخر، لاهث وراء الدنيا رغم ان الدنيا كانت كلها بين يديه ، يتلصص النظر من على أسطح الناس ، لايتورع من النظر إلى المحرمات، تستحي منه امرأة ولا يستحي هو من ربه، وتدفع به الخطيئة إلى حد ارتكاب جريمة قتل، بهدف مضاجعة امرأة يا لله ولعقول القوم أي فرية افتروها على نبي الله، وأي وصمة وصموها لمن طهره الله.
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: وأيّاً كان فالقصة القرآنية ليس فيها أي أمر يشير إلى ما قصّوه ، وكل حديثها أن خصمان من الملائكة اختبروا حكمة داود عليهالسلام ، فحكم لأحدهما دون أن يستمع إلى حجة الآخر، وكان ذلك بمثابة تذكير له على ما ظنّ أن الله لم يخلق خلقاً أعلم منه ، وفي هذا الصدد نرى الإمام الرضا عليهالسلام بعد أن سأل ابن الجهم عما يقوله الناس في تفسير الآيات، فقصها على نحو ما ذكرناه يضرب بيده على جبهته ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيّاً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل! فقال ابن الجهم: يابن رسول الله فما كان خطيئته؟ فقال: ويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عزّ وجلّ إليه الملكلين فتسورا المحراب فقالا "خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب" (ص 22-23) فعجل داود عليهالسلام على المدعى عليه، فقال: "لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ" (ص 24) ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدّعى عليه فيقول له: ما تقول؟
https://telegram.me/buratha