الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة اللعن ومشتقاتها "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" ﴿البقرة 159﴾ وَيَلْعَنُهُمُ: وَ حرف عطف، يَلْعَنُ فعل، هُمُ ضمير، اللَّاعِنُونَ: ال اداة تعريف، لَّاعِنُونَ اسم، إن الذين يُخْفون ما أنزلنا من الآيات الواضحات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وهم أحبار اليهود وعلماء النصارى وغيرهم ممن يكتم ما أنزل الله من بعد ما أظهرناه للناس في التوراة والإنجيل، أولئك يطردهم الله من رحمته، ويدعو عليهم باللعنة جميع الخليقة، الله تعالى يشدد على عدم كتمان أوامره سبحانه ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والا فهم من الملعونين، والآية الكريمة توضح أن آخرين أيضا يجوز لهم اللعن بالأضافة الى لعن الله تعالى "أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"، و "وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ" ﴿البقرة 88﴾ تكرر لعن الكافرين في عدد من الآيات الكريمة، و "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 89﴾ الكفر له مصاديق عديدة منها الكفر بالكتاب فهؤلاء عليهم لعنة الله سبحانه، و "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" ﴿البقرة 161﴾ بعد موت أشخاص يمكن أن يلعنون "اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" فلا غرابة أن يلعن شخص أو أشخاص وحتى الناس أجمعين من يستحقون اللعن، و "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ﴿آل عمران 61﴾ هذه آية المباهلة بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ونصارى نجران وورد فيها "لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61).
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً" (الاحزاب 61) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: "مَلْعُونِينَ" فوجبت عليهم اللعنة بعد اللعنة بقول الله. الثقف إدراك الشيء والظفر به، والجملة حال من المنافقين ومن عطف عليهم أي حال كونهم ملعونين أينما وجدوا أخذوا وبولغ في قتلهم فعمهم القتل. قوله تعالى "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" (الاسراء 60) وقد ذكر جمع من المفسرين استنادا إلى ما نقل عن ابن عباس أن المراد بالرؤيا التي أراها الله نبيه هو الإسراء ، والمراد بالشجرة الملعونة في القرآن شجرة الزقوم ، وذكروا أن النبي صلىاللهعليهوآله لما رجع من الإسراء وأصبح أخبر المشركين بذلك فكذبوه واستهزءوا به ، وكذلك لما سمع المشركون آيات ذكر الله فيها الزقوم كذبوه وسخروا منه فأنزل الله في هذه الآية أن الرؤيا التي أريناك وهي الإسراء وشجرة الزقوم ما جعلناهما إلا فتنة للناس. ثم لما ورد عليهم أن الرؤيا على ما صرح به أهل اللغة هي ما يراه النائم في منامه والإسراء كان في اليقظة اعتذروا عنه تارة بأن الرؤيا كالرؤية مصدر رأى ولا اختصاص لها بالمنام، وتارة بأن الرؤيا ما يراه الإنسان بالليل سواء فيه النوم واليقظة، وتارة بأنها مشاكلة لتسمية المشركين له رؤيا ، وتارة بأنه جار على زعمهم كما سموا أصنامهم آلهة فقد روي أن بعضهم قال للنبي صلى الله عليه وآله لما قص عليهم إسراءه لعله شيء رأيته في منامك فسماه الله رؤيا على زعمهم كما قال في الأصنام "آلِهَتُهُمُ"، وتارة بأنه سمي رؤيا تشبيها له بالمنام لما فيها من العجائب أو لوقوعه ليلا أو لسرعته. وقد أجاب عن ذلك بعضهم أن الإسراء كان في المنام كما روي عن عائشة ومعاوية. ولما ورد عليهم أيضا أن لا معنى لتسمية الزقوم شجرة ملعونة ولا ذنب للشجرة اعتذروا عنه تارة بأن المراد من لعنها لعن طاعميها على نحو المجاز في الإسناد للدلالة على المبالغة في لعنهم كما قيل وتارة بأن اللعنة بمعنى البعد وهي في أبعد مكان من الرحمة لكونها تنبت في أصل الجحيم، وتارة بأنها جعلت ملعونة لأن طلعها يشبه رءوس الشياطين والشياطين ملعونون ، وتارة بأن العرب تسمي كل غذاء مكروه ضار ملعونا. أما ما ذكروه في معنى الرؤيا فما قيل : إن الرؤيا مصدر مرادف للرؤية أو إنها بمعنى الرؤية ليلا يرده عدم الثبوت لغة ولم يستندوا في ذلك إلى شيء من كلامهم من نظم أو نثر إلا إلى مجرد الدعوى. وأما قول القائل: إن الإسراء كان في المنام فقد اتضح بطلانه في أول السورة في تفسير آية الإسراء. وأما المعاذير التي ذكروها تفصيا عن جعل الشجرة ملعونة في القرآن فقولهم : إن حقيقة لعنها لعن طاعميها على طريق المجاز في الإسناد للمبالغة في لعنهم فهو وإن كان كثير النظير في محاورات العامة لكنه مما يجب أن ينزه عنه ساحة كلامه تعالى وإنما هو من دأب جهلة الناس وسفلتهم تراهم إذا أرادوا أن يسبوا أحدا لعنوه بلعن أبيه وأمه وعشيرته مبالغة في سبه، وإذا شتموا رجلا أساءوا ذكر زوجته وبنته وسبوا السماء التي تظله والأرض التي تقله والدار التي يسكنها والقوم الذين يعاشرهم وأدب القرآن يمنعه أن يبالغ في لعن أصحاب النار بلعن الشجرة التي يعذبهم الله بأكل ثمارها. وقولهم: إن اللعن مطلق الإبعاد مما لم يثبت لغة والذي ذكروه ويشهد به ما ورد من استعماله في القرآن أن معناه الإبعاد من الرحمة والكرامة وما قيل: إنها كما قال الله "شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ" (الصافات 64) فهي في أبعد مكان من الرحمة إن أريدت بالرحمة الجنة فهو قول من غير دليل وإن أريدت به الرحمة المقابلة للعذاب كان لازمه كون الشجرة ملعونة بمعنى الإبعاد من الرحمة والكرامة ومقتضاه كون جهنم وما أعد الله فيها من العذاب وملائكة النار وخزنتها ملعونين مغضوبين مبعدين من الرحمة، وليس شيء منها ملعونا وإنما اللعن والغضب والبعد للمعذبين فيها من الإنس والجن. وقولهم: إنها جعلت ملعونة لأن طلعها يشبه رءوس الشياطين والشياطين ملعونون فهو مجاز في الإسناد بعيد من الفهم يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأول. وقولهم: إن العرب تسمي كل غذاء مكروه ضار ملعونا فيه استعمال الشجرة وإرادة الثمرة مجازا ثم جعلها ملعونة لكونها مكروهة ضارة أو نسبة اللعن وهو وصف الثمرة إلى الشجرة مجازا وعلى أي حال كونها معنى من معاني اللعن غير ثابت بل الظاهر أنهم يصفونه باللعن بمعناه المعروف والعامة يلعنون كل ما لا يرتضونه من طعام وشراب وغيرهما. وأما انتساب القول إلى ابن عباس فعلى تقدير ثبوته لا حجية فيه وخاصة مع معارضته لما في حديث عائشة الآتية وغيرها وهو يتضمن تفسير النبي صلى الله عليه وآله ولا يعارضه قول غيره.
اللعن منبوذ للمؤمن حيث وردت أحاديث كثيرة في ذمه كما جاء في ميزان الحكمة لمحمد الريشهري: اللعن: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لعن المؤمن كقتله. عنه صلى الله عليه وآله: إني لم ابعث لعانا، وإنما بعثت رحمة. عنه صلى الله عليه وآله: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا. عنه صلى الله عليه وآله: لا يكون المؤمن لعانا. عنه صلى الله عليه وآله: لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا. عنه صلى الله عليه وآله: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. عنه صلى الله عليه وآله: إن استطعت ألا تلعن شيئا فافعل. عنه صلى الله عليه وآله لما لعن رجل ناقته وهو يسير معها: أخرها عنا فقد استجيب لك. عنه صلى الله عليه وآله: من هذا اللاعن بعيره؟ انزل عنه فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم. عنه صلى الله عليه وآله: إن امرأة لعنت ناقة لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خذوا متاعكم عنها، فأرسلوها فإنها ملعونة. عنه صلى الله عليه وآله: إذا خرجت اللعنة من في صاحبها نظرت، فإن وجدت مسلكا في الذي وجهت إليه، وإلا عادت إلى الذي خرجت منه. الإمام الباقر عليه السلام: إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينه وبين الذي يلعن، فإن وجدت مساغا وإلا عادت إلى صاحبها وكان أحق بها، فاحذروا أن تلعنوا مؤمنا فيحل بكم. روي أن نعيمان الأنصاري كان يؤتي به رسول الله صلى الله عليه وآله في كل قليل فيحده في معصية يرتكبها، إلى أن أتي به يوما فحده، فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتي به رسول الله؟ فقال عليه السلام: لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله.
ولكن أحاديث أخرى تذم من يستحق اللعن كما جاء في ميزان الحكمة لمحمد الريشهري: عنه صلى الله عليه وآله: لعن الله الراشي، والمرتشي، والماشي بينهما. عنه صلى الله عليه وآله: إن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم، ثم عموا بالبلاء. عنه صلى الله عليه وآله: ثلاثة لعنهم الله تعالى: رجل رغب عن والديه، ورجل سعى بين رجل وامرأة يفرق بينهما ثم يخلف عليها من بعده، ورجل سعى بين المؤمنين بالأحاديث ليتباغضوا ويتحاسدوا. عنه صلى الله عليه وآله: إني لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب قبلي، فقيل: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمخالف لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمتسلط بالجبرية ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله، والمستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلا له، والمحرم ما أحل الله عز وجل.
قال الله تبارك وتعالى "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61) في آية المباهلة اختار رب العالمين العترة الطاهرة وخصهم بالرعاية باعتبار امير المؤمنين عليه السلام هو نفس رسول الله، وبهذا يكون افضل شخص بعد النبي وهي احدى مقامات امير المؤمنين. ولو ان هنالك مقامات اخرى للعترة الطاهرة "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" (الانسان8) واية التطهير "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الاحزاب 33) واية المودة "قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" (الشورى 23) فانها تشير الى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
https://telegram.me/buratha