الدكتور فاضل حسن شريف
ان كثير من مصادر المذاهب الاسلامية تشير ان آية المباهلة التي فيها اللعنة على الكاذبين من احد الفريقين فريق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وفريق نصارى نجران كما جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: نورد هنا بعضا من رواياتهم و مصادرها: القاضي نور اللّه الشوشتري في المجلّد الثالث من كتابه النفيس (إحقاق الحقّ)، الطبعة الجديدة، ص 46، يتحدّث عن اتّفاق المفسّرين في أنّ "أبناءنا" في هذه الآية إشارة إلى الحسن و الحسين، و "نساءنا" إشارة إلى فاطمة، و "أنفسنا" إشارة إلى عليّ عليه السّلام. ثمّ يشير في هامش الكتاب إلى نحو ستّين من كبار أهل السنّة من الذين قالوا إنّ آية المباهلة نزلت في أهل البيت، و يذكر أسماء هؤلاء العلماء بالتفصيل في الصفحات 46- 76. و من المشاهير الذين نقل عنهم هذا التصريح: 1- مسلم بن الحجاج النيسابوري، صاحب أحد الصحاح الستة المعروفة التي يعتمدها أهل السنّة. المجلّد 7 ص 120 (طبعة محمّد علي صبيح- مصر). 2- أحمد بن حنبل في كتابه (المسند) ج 1 ص 185 (طبعة مصر). 3- الطبري في تفسيره المعروف: ج 3 ص 192 (المطبعة الميمنية- مصر). 4- الحاكم في كتابه (المستدرك) ج 3 ص 150 (طبعة حيدرآباد الدكن). 5- الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه (دلائل النبوة) ص 297 (طبعة حيدرآباد). 6- الواحديّ النيسابوري في كتابه (أسباب النزول) ص 74 (المطبعة الهندية- مصر). 7- الفخر الرازي في تفسيره المعروف، ج 8 ص 85 (المطبعة البهية- مصر). 8- ابن الأثير في كتابه (جامع الأصول) ج 9 ص 470 (مطبعة السنّة المحمدية- مصر). 9- ابن الجوزي في كتابه (تذكرة الخواص) ص 17 (طبعة النجف). 10- القاضي البيضاوي في تفسيره ج 2 ص 22 (مطبعة مصطفى محمّد- مصر). 11- الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) ج 3 ص 167 (المطبعة المنيرية- مصر). 12- الطنطاوي في تفسيره المعروف (الجواهر) ج 2 ص 120 (مطبعة مصطفى البابي الحلبي- مصر). 13- الزمخشري في تفسيره (الكشّاف) ج 1 ص 193 (مطبعة مصطفى محمّد). 14- الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة) ج 2 ص 503.
وحتى نصل الى حقيقة الشجرة الملعونة في القرآن الكريم نستمر في عرض تفسير العلامة الطباطبائي تكملة لحلقات المقال السابقة كما جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وبالتأمل في ذلك يتضح للباحث المتدبر أن هذه الشجرة الملعونة قوم من هؤلاء الملعونين في كلامه لهم صفة الشجرة في النشوء والنمو وتفرع الفروع على أصل له حظ من البقاء والاثمار وهم فتنة تفتتن بها هذه الأمة ، وليس يصلح لهذه الصفة إلا طوائف ثلاث من المعدودين وهم أهل الكتاب والمشركون والمنافقون ولبثهم في الناس وبقاؤهم على الولاء إما بالتناسل والتوالد كأهل بيت من الطوائف المذكورة يعيشون بين الناس ويفسدون على الناس دينهم ودنياهم ويفتتن بهم الناس وإما بطلوع عقيدة فاسدة ثم اتباعها على الولاء من خلف بعد سلف. ولم يظهر من المشركين وأهل الكتاب في زمن الرسول قبل الهجرة وبعدها قوم بهذا النعت، وقد آمن الله الناس من شرهم مستقلين بذلك بمثل قوله النازل في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله : "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ" (المائدة 3) وقد استوفينا البحث عن معنى الآية فيما تقدم. فالذي يهدي إليه الإمعان في البحث أن المراد بالشجرة الملعونة قوم من المنافقين المتظاهرين بالإسلام يتعرقون بين المسلمين إما بالنسل وإما بالعقيدة والمسلك هم فتنة للناس، ولا ينبغي أن يرتاب في أن في سياق الآية تلويحا بالارتباط بين الفقرتين أعني قوله "وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ" (الاسراء 60) وخاصة بعد الإمعان في تقدم قوله "وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ" (الاسراء 60) وتذييل الفقرات جميعا بقوله "وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً" (الاسراء 60) فإن ارتباط الفقرات بعضها ببعض ظاهر في أن الآية بصدد الإشارة إلى أمر واحد هو سبحانه محيط به ولا ينفع فيه عظة وتخويف إلا زيادة في الطغيان. ويستفاد من ذلك أن الشأن هو أن الله سبحانه أرى نبيه صلىاللهعليهوآله في الرؤيا هذه الشجرة الملعونة وبعض أعمالهم في الإسلام ثم بين لرسوله أن ذلك فتنة. فقوله "وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ" (الاسراء 60) مقتضى السياق أن المراد بالإحاطة الإحاطة العلمية، والظرف متعلق بمحذوف والتقدير واذكر إذ قلنا لك كذا وكذا والمعنى واذكر للتثبت فيما ذكرنا لك في هذه الآيات أن شيمة الناس الاستمرار في الفساد والفسوق واقتداء أخلافهم بأسلافهم في الإعراض عن ذكر الله وعدم الاعتناء بآيات الله، وقتا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس علما وعلم أن هذه السنة ستجري بينهم كما كانت تجري. وقوله "وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" (الاسراء 60) محصل معناه على ما تقدم أنه لم نجعل الشجرة الملعونة في القرآن التي تعرفها بتعريفنا، وما أريناك في المنام من أمرهم إلا فتنة للناس وامتحانا وبلاء نمتحنهم ونبلوهم به وقد أحطنا بهم. وقوله "وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيرا" (الاسراء 60) ضميرا الجمع للناس ظاهرا والمراد بالتخويف إما التخويف بالموعظة والبيان أو بالآيات المخوفة التي هي دون الآيات المهلكة المبيدة، والمعنى ونخوف الناس فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا ولا أي طغيان كان بل طغيانا كبيرا أي أنهم لا يخافون من تخويفنا حتى ينتهوا عما هم عليه بل يجيبوننا بالطغيان الكبير فهم يبالغون في طغيانهم ويفرطون في عنادهم مع الحق. وسياق الآية سياق التسلية فالله سبحانه يعزي نبيه صلىاللهعليهوآله فيها بأن الذي أراه من الأمر، وعرفه من الفتن، وقد جرت سنته تعالى على امتحان عباده بالمحن والفتن ، وقد اعترف بذلك غير واحد من المفسرين. ويؤيد جميع ما تقدم ما ورد من طرق أهل السنة واتفقت عليه أحاديث أئمة أهل البيت عليه السلام أن المراد بالرؤيا في الآية هي رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وآله في بني أمية والشجرة شجرتهم.
أضافة لما ورد في حلقة سابقة من هذا المقال عن متشابهات اللعن والسب والشتم فقد جاء عن مركز الرصد العقائدي حول شبهة عدم الفرق بين السب واللعن الواردين في القرآن الكريم للسيد مهدي الجابري الموسوي: لا بدّ في المقام من تسليط الضوء على مفهومَين لُحِظ الخلط بينهما إما عن جهل أو عن عمد، وهما مفهوما السبّ واللعن ؛ كيما يتم الوقوف على الفرق بينهما، دفعاً للالتباس الحاصل عند الجُهّال من كونهما بمعنى واحد، وردّاً على المتجاهل المتعمِّد الذي يحاول إسدال الشُّبَه على مشروعية اللعن بأيّ وسيلةٍ كانت حتى لو استلزم من ذلك نسبةُ التناقض إلى الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله، ليجادل بالباطل، ولينصر قوله. فإن مشروعية اللعن جاءت على لسان القران الكريم في قوله تعالى: "ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61)، وفي قوله تعالى: "وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود 18)، وفي قوله تعالى: "رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً" (الاحزاب 8). وأما السبُّ فورد النهيُ عنه في قوله تعالى: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم" (الانعام 108)، وورد أيضاً على لسان النبيّ صلى الله عليه وآله اللعن في حق المنافقين من الصحابة، ثم الذي يتدبر القرآن ببصره وبصيرته يجد أنّ الآيات التي ورد فيها الأمر باللعن تتناقض مع الآية التي تنهى عن السبّ، فكيف إذن يفسَّر اللعن الذي صرّحت بجوازه الآيات والروايات على أنه من السبِّ المنهيِّ عنه في الآية المذكورة؟ ألا يكون هذا تناقضاً يُنسب إلى الله تعالى وإلى رسوله؟ ومن هنا يتضح لك الفرقُ جلياً. فبطرحه هذه الفكرة عدم الفرق بين السبّ واللعن اعتقدَ أنه ممن اصطاد عصفورين بحجرٍ واحد، إلا أنه في الواقع يحاول المحال لنفي الحقائق الثابتة، والأدلة الواضحة، كالأخبار الصحيحة الواردة في بني أمية وما جاء في شأنهم من اللعن، وإليك ما قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله، من لعن أقطابهم ودعائه عليهم في قنوته، بقوله: (اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سُهيل بن عمر، اللهم العن صفوان بن أُمية). وعليه، فاللعن له محملٌ شرعيٌّ، ولا بدّ من حمله عليه، وإلى هذا المعنى أشار الشوكاني في (إرشاد الفحول)، قال: (إذا كان للفظ محملٌ شرعيٌّ ومحمل لُغوي فإنه يُحمل على المحمل الشرعي. وهكذا إذا كان له مسمىً شرعيٌّ ومسمى لغوي، فإنه يُحمل على الشرعي)، والمحمل الشرعي لمفهوم اللعن هو الطرد عن جهة الحق وعن الرحمة والخير، فيكون استعمال المادة في طرد الناس وإبعادهم استعمالاً حقيقياً إنْ كان النظرُ إلى كونه في مورد سخطٍ وغضبٍ من جانب الله تعالى بعصيانٍ أو ظلم ونحو ذلك، وليس هو السبّ أو الشتم.
في أحد الآيات ورد اللعن ومشتقات الكلمة ثلاث مرات مما يدلل على التأكيد على هذه المفردة وخاصة على الذين يكتمون العلم كما جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: وقوله: "أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة 159) يفيد نهاية الغضب عليهم، حتى لكأنهم تحولوا إلى ملعنة ينصب عليها اللعن من كل مصدر، ويتوجه إليها من كل من يستطيع اللعن ويؤديه. والآية الكريمة وإن كانت نزلت في أهل الكتاب بسبب كتمانهم للحق، إلا أن وعيدها يتناول كل من كتم علما نافعا، أو غير ذلك من الأمور التي يقضى الدين بإظهارها، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. هذا، وينبغي أن يعلم أن الإسلام وإن كان ينهى نهيا قاطعا عن كتم العلم الذي فيه منفعة للناس، إلا أنه يوجب على أتباعه وخصوصا العلماء أن يحسنوا ما ينشرونه على الناس من علم، ففي الحديث الشريف: حدثوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. قوله تعالى "بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ" (البقرة 88) أى: أن قلوبهم ليست غلفا بحيث لا تصل إليها دعوة الحق بل هي متمكنة بأصل فطرتها من قبول الحق، ولكن الله أبعدهم من رحمته بسبب كفرهم بالأنبياء واستحبابهم العمى على الهدى. والفاء في قوله: "فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ" (البقرة 88) للدلالة على أن ما بعدها متسبب عما قبلها وما في قوله "فَقَلِيلًا" ما لتأكيد معنى القلة. والمعنى أن الله لعنهم وكان هذا اللعن سببا لقلة إيمانهم فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، وقلة الإيمان ترجع إلى معنى أنهم لا يؤمنون إلا بقليل مما يجب عليهم الإيمان به. وقد وصفهم الله تعالى فيما سبق بأنهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. قوله تعالى "أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (ال عمران 87) قال الراغب: اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى.
https://telegram.me/buratha