الدكتور فاضل حسن شريف
في مصادر المذاهب الإسلامية أن الآيات في صدر سورة الإنسان نزلت بحق علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كالواحدي في أسباب المنزل، والبغوي في معالم التنزيل، وسبط بن الجوزي في التذكرة، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب. قال الله جلت قدرته "إِنَّ الاْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَـهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّـهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11)" (الانسان 5-11) جاء في كتاب الغدير وكتاب احقاق الحق قال ابن عباس: إنَّ الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إنْ برئا مّما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، ،بقاً لبعض الرّوايات أنَّ الحسن والحسين أيضاً قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم، فشفيا وما كان معهم شيء، فاستقرض علي عليه السلام ثلاث أصواع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثزوه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً. فلما أمسوا ووضعوا الصعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وباتوا مرة أُخرى لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، ووقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: (ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم) فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. وقيل: إنّ الذي نزل من الآيات يبدأ من: "إِنَّ الاْبْرَارَ" (الانسان 5) حتى " وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا" (الانسان 22) ومجموعها 18 آية. وذكر في كتاب الغدير أنّ الرّواية المذكورة قد نقلت عن طريق 34 عالماً من علماء أهل السنّة المشهورين.
على الانسان ان لا يسير في ما تقوله الجماعة "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (البقرة 170)، او ما يسمى الاعلام حاليا وانما عليه ان يستخدم عقله وفكره في تمحيص ما يقرأه او يسمعه كما قال الله تعالى "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الرعد 4)، و "اِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (النحل 12)، و "كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الروم 28)، و "آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الجاثية 5). جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: إن للعقل أهمية كبرى في كيان الإنسان، وتقويم شخصيته، وتوجيه سلوكه، وتحديد مصيره. وبه تميز عن بقية الحيوانات وفضل عليه. فإنها وإن كانت تملك شيئاً من الإدراك الغريزي، إلا أنه في حدود ضيقة. أما الإنسان فهو يستطيع بعقله تمييز الأشياء. قوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا في الآفَاقِ وفي أنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ أوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِكَ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ" (فصلت 53). إن مسألة البحث والتطور العلمي من لوازم وجود الإنسان فوق هذا الكوكب، لأنه الطبيعة الناطقة والتي تقوّم الإنسان وتميزه عن غيره من الحيوانات هي مبدأ التفكير الذي يُعد الأساس لاكتشاف كل مجهول في هذا الكون وبالتالي الانطلاق في آفاق التقدم العلمي. وعلى الرغم من استحالة الوقوف في وجه هذه الخصيصة الإنسانية أو عرقلة عجلة التقدم والتطوير العلمي للإنسان. وابدأ في الملاحظة والتدبّر بالإنسان في تطوره من مبدأ خلقه إلى منتهى حياته، ودقائق جسده، وإدراكه ومنطقه، وعواطفه وانفعالياته، وغرائزه وعقله، ومرضه وشفائه. إلى غير ذلك.
عن الانسان المتقي يقول الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه عصمة المعصوم: ولو دققنا النظر في أحد الجانبين، وليكن جانب طريق التقوى، وتساءلنا عن مصاديق الجعل المخصص لسالكي طريقه؟ فسنجد في البداية أن الطريق باعتباره طريقاً طويلاً على مستوى السمو، إذ لا حد له ليقف عنده المتقي، فإن الجعل الإلهي لم يك محدوداً هو الآخر، لا في خصوصيته النوعية فلم يخصصه في نوع معين من التخصيصات، ولا في حدوده الكمية، فهو إن تحدّث عن جعل المخرج للمتقي ومنحه الرزق، فإنه لم يتحدث عن مخرج محدد، ولا عن رزق محدد، بل هو يمتد إلى كل المساحة التي يكون فيها سبب لحاجة المتقي إلى ما جعله الله، سواء كان تحديد هذه الحاجة مرتبطاً بالمتقي نفسه، أو كان بمثابة تفضل إلهي عليه، ولكن نظراً لخصيصة العدل الإلهي فإنه قد جعل لكل شيء قدراً، كما قال الله سبحانه: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً" (الطلاق 2-3) مما يعني أن السائرين على طريق التقوى ليسوا سواء في يجعل لهم، وإنما يرتبط هذا الجعل في نوعيته وحجمه بما يحقق هذا الإنسان من شرائط التقوى والتزاماتها، أو قل: فإن الفاعل الإلهي في جعله يتوقف مداه على مقدار ما يتحمله القابل الإنساني، فالله الذي هو عطاء مطلق وكرم مطلق ليس هو من يحدد حجم ما يأخذه الإنسان من هذا العطاء ومن هذا الكرم، بل إن الإنسان من خلال قابلياته هو من يحدد كم في مستطاعه أن ينال من هذا الكرم والعطاء، فالبحر لا يحدد للمغترف كم ينتهل منه، بل المنتهل من خلال ما يجلبه من وعاء للانتهال من ماء البحر هو من يحدد كمية ما يغترف من ماء البحر. وعن عالم الملكوت يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ومن يلحظ حقيقة التلاقي بين الأنبياء والأئمة والأولياء كل بحسبه مع عوالم الملكوت لإدرك هذه الحقيقة، فهي وإن عدت من المعجزات كما في أذهان الكثيرين، إلا انها تطرح من وجهة نظر فلسفية بحتة حقيقة الامكانية التي جبل عليها عالم الإنسان مع عوالم الملكوت، من حيث قابلية الإنسان للارتقاء إلى عالم الملكوت، وعدم رفض هذا العالم بعنوانه عالماً من النور لانضمام الإنسان إليه لو ارتقت حقيقته من الظلمانية إلى النورانية، وهو الأمر الذي وعد به الله سبحانه وتعالى كما تصوّره الآية الكريمة: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" (البقرة 157)، ولو لا حظنا التفاوت بين مفردات هذا التلاقي، لأدركنا مرجعية هذا التفاوت إلى الملكات والمؤهلات الذاتية التي يتمتع بها هذا الإنسان أو ذاك. لو تكاملت صورة التقوى، لوجدنا تكامل اطلاع الإنسان على كل شيء. قوله تعالى "كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ" (التكاثر 5-7) فإن الصورة الكلية لما يحفّ بهذه الدنيا سوف تكون مرئية لمن له علم اليقين ، وكلما كانت كيفية هذا العلم أكثر تقدماً كلما امكن هذا الإنسان من رؤية حقائق ما يجري ويحفّ حوله.
https://telegram.me/buratha