الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة الاولى المنشورة منذ سنتين بنفس العنوان، قال الله تبارك وتعالى "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ" (الحج 36). ذكر الشهيد الثاني قدس سره في كتابه مسالك الافهام (ان الشعيرة هي العبادات التي يعبد الله تعالى بها). و ذكر المقدس الاردبيلي قدس سره في كتابه زبدة البيان (شعائر الله هي اعلام الشريعة التي شرعها الله، واضافتها إلى اسم الله تعظيم لها). فاذا كانت البدن من شعائر الله فالشعائر الحسينية لا تقل أهمية منها وكيف لا فان الحسين عليه السلام سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته. وهكذا فان محبي الحسين يعظمون شعائره ليصبحوا من المتقين كما قال الله تعالى "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج 32). وتصبح كربلاء قبلة لكل الاحرار يقصودونها لاحياء الشعائر الحسينية.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لا الْهَدْيَ وَ لا الْقَلائِدَ وَ لا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ" (المائدة 2) الطلب من المؤمنين بعدم انتهاك شعائر اللّه، و نهيهم عن المساس بحرمة هذه الشعائر المقدسة، كما تقول الآية الكريمة: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ" (المائدة 2) و اختلف المفسّرون حول المراد بكلمة (الشعائر) الواردة هنا، و بالنظر إلى الأجزاء الأخرى من هذه الآية، و إلى السنة التي نزلت فيها و هي السنة العاشرة للهجرة التي أدى فيها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آخر حجّة إلى مكّة المكرمة هي حجّة الوداع، يتّضح أنّ المراد بهذه الكلمة مناسك الحج التي كلف المسلمون باحترامها كلّها، و يؤكّد هذا الرأي مجيء كلمة (الشّعائر) في القرآن الكريم مقترنة بالحديث عن مناسك الحج دائما. قوله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ" (الانفال 28). و كلمة "فتنة" تأتي في مثل هذه الموارد بمعنى وسيلة الامتحان، و الحقيقة أنّ أهم وسيلة لامتحان الإيمان و الكفر و الشخصية و فقدانها، و ميزان القيم الإنسانية للأفراد هو هذان الموضوعان (المال و الأولاد). فكيفية جمع المال و كيفية إنفاقه، و المحافظة عليه و ميزان التعلق به، كل تلك ميادين لامتحان البشر، فكم من أناس يلتزمون بظاهر العبادة و شعائر الدين، حتى المستحبات يلتزمون بشدّة في أدائها، لكنّهم إذا ما ابتلوا بقضية مالية، تراهم ينسون كل شيء و يدعون الأوامر الإلهية و مسائل الحق و العدل و الإنسانية جانبا.
جاء في صحيفة الاهرام عن الاحاديث التي تتعارض مع القرآن للكاتبة نهى الشرنوبي: يقول الله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" (يوسف 2) ويقول الله تعالى: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" (الفرقان 30) كتبت ما سبق لأني أطلع على بعض المواقع الإلكترونية التي تشكك بالإسلام وبفروض الله من خلال انتقاء بعض الأحاديث من كتاب صحيح البخاري ومسلم وغيرهم من الكتب وأعيد وأكرر صراحة ان أي حديث يتعارض مع آيات الله ليس بحجة على الإسلام لأنه تم جمعه من قبل بشر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بما يقرب من 200 عام كما ان ذلك لا يشكك احد في فروض الله من صلاة وصوم وزكاة وحج يؤدي شعائرها المسلمون منذ ايام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر، أي من خلال مشاهدة غيرهم من المسلمين وهم يصلون بالمساجد ويحجون بالكعبة ويصومون ويزكون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة بمشيئة الله.
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام إذ قيلَ له: سيدي جُعلت فداك، إنّ الميت يجلسون له بالنياحةِ بعد موته أو قتله، وأراكم تجلسون أنتم وشيعتكم من أول الشهر بالمآتم والعزاء على الحسين عليه السلام؟ فقال عليه السلام: ياهذا (إذا هلّ هلالُ المحرّم نشرت الملائكةُ ثوبَ الحسين عليه السلام وهو مخرّقٌ من ضرب السيوف وملطّخ بالدماء، فنراه نحنُ وشيعتُنا بالبصيرةِ لا بالبصر، فتتفجّر دموعُنا). عن الرسول الاكرم صل الله عليه وآله وسلم (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة). قال الامام الحسين عليه السلام (شاء الله أن يراني قتيلا وان يراهن سبايا). الله تعالى حفظ الشعائر الحسينية من الندثار مهما حاول الطغاة كسر شوكتها كما حفظ الذكر "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر 9). ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال (إن جدي علي بن الحسين بكى على أبيه أربعين عاماً). ومن هذه الشعائر البكاء والكرم والاطعام والرثاء والزيارة والمنبر والشعر والتشابيه والمشي. ذكر السيد الأميني في كتابه سيرتنا وسنتنا أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عقد عشرين مأتما في ندب وبكى الامام الحسين عليه السلام. وكان ذلك نبراسا ينتهج به من احب رسول الله واتبع سنته. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: أمرني ابي أن استأجر عشر جوار ( نائحات) يندبن الحسين بمنى ايام منى ايام الحج).
https://telegram.me/buratha