الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة عن زيارة العباس بن علي عليهما السلام: يقول السيد محمد تقي المدرسي في كتابه ثم يمضي الامام في زيارته لأبي الفضل العباس قائلا: (أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك، فنعم الاخ المواسى. فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة استحلت منك المحارم وانتهكت في قتلك حرمة الاسلام). اترى كيف، والى أي مدى بلغ مقام أبي الفضل، حيث ان انتهاك حرمته كان انتهاكا لحرمة الاسلام؟ (فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر، والاخ الدافع عن اخيه المجيب الى طاعة ربه الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل). لقد كان أبو الفضل هو الصابر المجاهد والمحامي الناصر، والمدافع عن أخيه، ولكن ليس دفاعا عن عصبيته، وانما استجابة لدعوة ربه، ورغبة في ثواب ربه. وكل هذه الصفات التي تذكر في الزيارة هي القيم المثلى التي ينبغي للمؤمن بنهج أهل البيت- عليهم السلام أن يقتدي بالعباس فيها. ثم تستمر الزيارة: (وألحقك الله في درجة آبائك في جنات النعيم). ثم يدعو المؤمن ربه بالكلمات التالية: (اللهم اني تعرضت لزيارة أوليائك رغبة في ثوابك، ورجاء لمغفرتك، وجزيل احسانك، فأسألك ان تصلي على محمد وآله الطاهرين، وان يجعل رزقي بهم دارا، وعيشي بهم قارا، وزيارتي بهم مقبولة، وحياتي بهم طيبة، وأدرجني ادراج المكرمين، واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد احبائك مفلحا منجحا قد استوجب غفران الذنوب، وستر العيوب، وكشف الكروب، انك أهل التقوى وأهل المغفرة).
وعن الرسالة بين الامام والنصير يقول المرجع السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله في كتابه العباس بن علي عليهما السلام: كان العباس عليه السلام فقيها من فقهاء أهل البيت عليهم السلام، وكان القائد الشجاع والكريم المضياف، والعابد الزاهد، وكان بالتالي شخصية متكاملة من جميع الجهات، ولكنه كان منصهرا في شخصية أخيه الحسين عليه السلام، ومبالغا في طاعته والنصيحة له، وهكذا عرف الناس كيف ينبغي ان يتعاملوا مع الامام عليه السلام. لقد عرفهم عمليا مقام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ذلك لان أكثر الناس لا تسمو البصيرة بهم الى معرفة مقام الأئمة المعصومين، ومقام ولايتهم. وهكذا نجد النبي موسى عليه السلام يدعو ربه ان يجعل له وزيرا من أهله حيث يذكر لنا القرآن ذلك بالقول: " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي* أشدد به أزري* وأشركه في أمري" (طه 22-25) وهكذا علينا ان نفقه مقام الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومن نصبهم الأئمة من العلماء الربانيين، نفقه مقامهم، ومنهج التعامل معهم من خلال معرفة سيرة أبي الفضل العباس عليه السلام والتي نعرفها من خلال زيارته التي تلوناها آنفا. ذلك لانه لا يسمو كل الناس الى مستوى القيادة، ولكن كل الناس يتعاملون مع القيادة، وأبو الفضل العباس- عليه السلام- يعطيك المنهج الأمثل في الدفاع عن الدين، وعن أهل بيت الرسالة، وعن القيادات الشرعية التي فرض عليك طاعتهم واتباعهم والدفاع عنهم. وهذا درس عظيم نتعلمه من أبي الفضل، وانه لدرس هام لانه يساهم في بناء التجمع الرسالي، والبنيان التوحيدي بناء رصينا قويا قادرا على تحدي اعاصير الفتنة، وعواصف الشهوات. فسلام الله عليك يا أبا الفضل العباس يوم ولدت للدفاع عن الحسين ويوم استشهدت في سبيل الاسلام تحت راية الحسين، وحين تبعث حيا مع الحسين سلام الله عليكما ورحمته وبركاته.
وذكر السيد محمد تقي المدرسي في أواخر كتابه بعض القصائد عن العباس بن علي عليهما السلام منها قصيدة الشاعر الموالي السيد جعفر الحلي رحمه الله: عبست وجوه القوم والعباس فيهم ضاحك متبسم * قلب اليمين على الشمال وغاص في الاوساط يحصد في الرؤوس ويحطم * وثنا أبو الفضل الفوارس نكصا فرأوا أشد ثباتهم ان يهزموا * ما كر ذو بأس له متقدما إلا وفر ورأسه المتقدم. ومن قصيدة للشاعر الموالي الشيخ عبد الحسين شكر رحمه الله في أحمى الضائعات: يا ابا الفضل قم ألست الذي قد كنت لي مسعدا إذا الدهر نابا * أولست الذي إذا ما مهيب هب للحرب لم تكن هيابا، الى أن يقول: أحمى الضائعات من لو دعاه فوق هام السهى مروع أهابا * اوحش الحرب فقده في نهار وبليل قد اوحش المحرابا. ومن قصيدة يوم أبو الفضل استجار به الهدى للشاعر الأديب الشيخ محمد رضا الأزري رحمه الله: أو ما اتاك حديث وقعة كربلا انى وقد بلغ السماء قتامها * يوم أبو الفضل استجار به الهدى والشمس من كدر العجاج لثامها * فحمى عرينته ودمدم دونها ويذب من دون الشرى ضرغامها.
https://telegram.me/buratha