الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب معارف الصحيفة السجادية للمؤلف علاء الحسون: إذا أراد الله شيئاً بصورة حتمية فسيحققه على نحو القطع والجزم، وكان حتماً ما أراد الله، ولا توجد أيّة جهة قادرة على الوقوف بوجه هذه الإرادة ومنع تحقّقها كما جاء في الصحيفة السجادية (أنت الذي أردت فكان حتماً ما أردت). أمْر الله التكويني نافذ، وإذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون. قال تعالى: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (يس 82). كلمة "كن" في هذا المقام تعبير يرمز إلى سرعة إيجاد إرادة الله التكوينية، ولا يعني أنّه تعالى يحتاج إلى قول أو واسطة بين إرادته وبين تحقّق ما يريده، بل يحقّق الله إرادته التكوينية مباشرة، ولا يوجد في هذا الصعيد أيّ قول أو تأخير. قال الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام (كثّرنا بمنّه على من قلّ) تفضّل الله تعالى على المسلمين الذين كانوا قليلين في صدر الإسلام، فكثّر عددهم، وقد قال تعالى: "وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ" (الاعراف 86). وكذلك قال عليه السلام (جعلنا شهداء على من حجد) جعل الله للأمّة الإسلاميّة حقّ الشهادة على الأمم الأخرى الكافرة التي لم تؤمن بالإسلام، فلهذا الأمّة الإسلاميّة على الأمم الأخرى بأنّها بيّنت لهم الأدلّة والبراهين القاطعة وأتمّت عليهم الحجّة في اتّباع الصراط المستقيم "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143) قال الإمام الباقرعليه السلام: نحن الأمّة الوسطى، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلّغنا عن الله عزّ وجلّ، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدّق صدّقناه يوم القيامة، ومن كذّب كذّبناه يوم القيامة.
عن اصطفاء العباد الصالحين يقول المؤلف الحسون: يصطفي الله عباده الصالحين، فإذا بقى العبد على الصلاح فسيبقى في دائرة الاصطفاء، وإذا خرج العبد من هذه الدائرة فسيستبدل الله به غيره، ولهذا قال تعالى: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ" (محمد 38) يقول الامام السجاد عليه السلام في صحيفته (ولا تستبدل بي غيري). وكتب الله تعالى على نفسه إجابة دعوة ا لمضطرين، ووعد المبتلين بالسوء أن يكشف عنهم السوء والبلاء، وقال تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل 62) يقول الامام علي السجاد الملقب بزين العابدين عليه السلام (سبحانك نحن المضطرون الذين أوجبت إجابتهم، وأهل السوء الذين وعدت الكشف عنهم).
وعن توبة العباد يقول المؤلف علاء الحسون: فتح الله لعباده باباً إلى عفوه سمّاه التوبة، وقد بيّن الله تعالى ذلك في محكم كتابه لتكون هذه الباب معروفة عند الجميع ولا يخطؤها من أرادها، فقال تبارك اسمه: "تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ قَدِيرٌ" (التحريم 8)، فما عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب وإقامة الدليل؟ كما قال علي زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية (اللّهم أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك، وسمّيته التوبة، وجعلت على ذلك الباب دليلاً من وحيك لئلا يضلّوا عنه فقلت تبارك اسمك) يدعو الله إلى نفسه الذين يبتعدون عنه نتيجة ارتكابهم للذنوب والمعاصي، ويدعوهم إلى التوبة والإنابة والرجوع إليه تعالى كما جاء في الصحيفة السجادية).
يقول علاء الحسون عن مضاعفة الحسنات في كتابه: دعانا الله تعالى إلى تجارة مربحة، وفتح لنا أبواب رحمته، فزاد في الثمن وأعطى الزيادة. فقال تعالى: "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَاوَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا" (الانعام 160). وقال تعالى: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّة أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَة مِّئَةُ حَبَّة وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء" (البقرة 261). وقال تعالى: "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة" (البقرة 245) وغيرها من الآيات القرآنية الدالّة على أنّه تعالى يضاعف الحسنات. ولم يقصد الباري عزّ وجلّ من هذه الزيادة وإعطاء الثواب الكثير على العمل القليل إلاّ تقديم الربح للعباد في تجارتهم معه ومنحهم الفوز والسعادة حين القدوم عليه كما جاء في الصحيفة السجادية (اللّهم أنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتهم لك، وفوزهم بالوفادة عليك والزيادة منك، فقلت تبارك اسمك وتعاليت وما أنزلت من نظائرهنّ في القرآن من تضاعيف الحسنات). السوم يعني الثمن، والوفادة أي القدوم. يزيد الله في حسنات العبد ويضاعفها عشر أمثالها لتنمو وتزدهر وتكون ذات عاقبة جيّدة. ويتجاوز الله تعالى عن سيّئات العبد حتّى يعفو عنها ويمحو أثرها وكأنّ العبد لم يدنو منها أبداً. يقوا الامام السجاد عليه السلام في صحيفته (يا من يثمر الحسنة حتّى ينمّيها ويتجاوز عن السيئة حتّى يعفيها)، و (يا من يثمر الحسنة حتّى ينمّيها ويتجاوز عن السيئة حتّى يعفيها).
https://telegram.me/buratha