الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب نظرة في إحياء مراسم عاشوراء لمؤلفه الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي عن اظهار المحبة والعداوة: فلابدّ من إظهار المحبة للناس الطيبين الذين هم منشأ للكمال، ولهم تأثير ضخم في تقدم المجتمع وازدهاره. وفي المقابل لابدّ من إظهار العداوة عملياً لمن يلحقون الضرر بمصير المجتمع, قال الله تعالى في القرآن الكريم: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرءؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" (الممتحنة 4). فإن الله تعالى أمرنا بالتأسي بإبراهيم وأصحابه, ونحن نعلم أن لإبراهيم (عليه السلام) مكانة رفيعة في الثقافة الإسلامية، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذاته يصرح بانني تابع لابراهيم، والإسلام هو الاسم الذي أطلقه إبراهيم عليه السلام على هذا الدين، يقول تعالى: "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ" (الحج 78)، فماذا كان يفعل إبراهيم عليه السلام وأصحابه؟ كانوا يعادون عبدة الاصنام ويطردونهم ويعلنونها بوجوههم: "إِنَّا بُرءؤا مِنكُمْ" (الممتحنة 4)، ولا يكتفون بالبراءة منهم بل يقولون لهم: بدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، إلا إذا توقفتم عن الخيانة. ونحن اذ نعلن العداوة والبغضاء للشيطان الأكبر وأعداء الإسلام فهذا إنّما هو تأس بإبراهيم عليه السلام، فقد أمرنا القرآن الكريم بالتأسي بإبراهيم عليه السلام بعداوتنا لأعداء الدين, فالإنسان العاقل لا يوزع الابتسامات في كل آن ومكان، بل لابدّ له أن يعبس في وجوه البعض ويقولها صريحة له: أنا عدوك وليس بيني وبينك سلام إلا إذا كففت عن خيانتك، هذا هو أمر القرآن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن فروع الدين عشرة، وبعد (الأمر بالمعروف) و (النهي عن المنكر) يعدّ من فروع الدين (التولي) و (التبري) أيّ من جملة الواجبات التي لابدّ أن يهتم بها جميع المسلمين ويعملوا بمضمونها هو أن نحب أولياء الله وأن نعادي أعداء الله أيضاً. ولا يكفي محبة أولياء الله، فاذا لم تكن العداوة لاعداء الله فإنّ المحبة للأولياء سوف تزول وتضمحل، فلو انعدم النظام الدفاعي للبدن فإنّ نظام الجذب سوف يتعطل أيضاً.
وعن الانتفاع بالحياة الحسينية يقول الشيخ مصباح اليزدي في كتابه: وخلاصة كلامنا هو: إنّ إحياء ذكرى سيد الشهداء هي إعادة لصياغة الحياة الحسينية، وذلك لننتفع بتلك الحياة الكريمة على أحسن نحو، ولا ينبغي الاكتفاء بالدراسات العلمية، لأن الإنسان بحاجة إلى استثارة عواطفه ومشاعره، ولا ينبغي الاقتصار ايضا على العواطف الايجابية كالفرح والسرور والضحك والابتسام، وذلك لأن احياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام ومظلوميته لا يتيسر إلا عن طريق مشاعر الحماس و الحزن والبكاء والحداد. ومع إرسالنا لآلاف التحية والسلام للإمام الحسين عليه السلام ولتراب قبره الطاهر فإننا نرسل آلاف اللعن لأعداء لحسين عليه السلام، أعداء الله والإسلام، والسلام وحده لا يحل المشكلة، لأننا لا نستطيع أن ننتفع من بركات الحسين عليه السلام إلا إذا قمنا باللعن أولاً لأعدائه، ثم نرسل إليه التحية والسلام. والقرآن يذكر ـ أولاً ـ في صفات المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ" (الفتح 29) ثم يقول: "رُحَمَاء بَيْنَهُمْ" (الفتح 29)، فلابدّ من وجود اللعن إلى جانب السلام، ولابدّ من اظهار التبري والعداوة لاعداء الإسلام إلى جانب التولي لأولياء الله, إذا كنا بهذه الصورة فنحن حسينيون، وإلا فإنه لا ينبغي أن نلصق أنفسنا بالحسين عليه السلام من دون استحقاق.
https://telegram.me/buratha