الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسيد نبيل الحسني عن سبي النساء: وعليه: يتضح من ذلك أن المسلمين قد ألفوا سبي النساء المسلمات بعد أن سن لهم أبو بكر ذلك ليتعدى الأمر إلى أعظم رزاياه في يوم عاشوراء. وعلى أعقاب أبي بكر يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد فكانت مشاهد لم يشهد لها التاريخ نظيراً منذ أن اصطفى الله تعالى آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: "إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿33﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)" (ال عمران 33-34).
وعن معنى المشيئة الإلهية، وهل هذه المشيئة تعطل العقاب الإلهي؟ يقول السيد الحسني في كتابه: إنّ حضور المرأة في كربلاء ومن خلال الدراسة في التاريخ الحربي للعرب والمسلمين يعد حضوراً متميزا وفريدا وملهما ومؤسساً لأصول عقائدية وحياتية جديدة لم يعهدها الإنسان قبل كربلاء ولم يتهيأ له مستقبلاً نظير لها، وذلك لما جمع في كربلاء من مقومات اختارتها المشيئة الإلهية لتكون محوراً وسطياً لهذه الأمة في بناء العقيدة والإصلاح. من هنا: نجد أن الإمام الحسين عليه السلام حينما اعترضه محمد بن الحنفية عند خروجه إلى العراق مستفهما منه عن العلة في إخراجه لهؤلاء النسوة فأجابه عليه السلام: (قد شاء الله أن يراهن سبايا). لم يكن قوله عليه السلام إسكاتاً لما بدا على ابن الحنفية من تساؤلات عديدة لم يشأ أن يبوح بها فاختزلها بقوله: فما بال حملك لهذه النسوة؟ فقال هذه الكلمات القليلة التي في ظاهر الرواية التاريخية إنها أسكتته فلم يبُحْ بعدها بكلمة حتى بدا للقارئ أن المراد هو هذه النتيجة. في حين أن الإمام الحسين عليه السلام قد كشف لأخيه أحد أعظم الحقائق التي ارتبطت بهذا الخروج، وما أشبه هذا القول منه عليه السلام بقوله تعالى لأم موسى حينما بدا عليها الخوف وتملكتها الحيرة في التعامل مع ولدها موسى ماذا تصنع به! فجاء الجواب: "فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِيۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص 7). وليت شعري: أي المقامين أعظم؟! فإن كان الملقى في أحضان البحر فرداً واحداً فإن أبناء محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد ألقوا في أخاديد الحراب وافترشوا نصال النبال وعانقوا السيوف؛ وهل رد ابن فاطمة لأمه سالماً معافىً أو رد إليها مقطع الأعضاء؟ لله الأمر من قبل ومن بعد. إلا أن الآثار والنتائج التي حققها هذا الخروج لم تكن أقل شأناً من آثار إلقاء موسى في البحر ونتائج ذلك إن لم تفقها في مواضع كثيرة، فكم من فرعون وفرعون دكت العقيلة زينب عروشه إلى يوم القيامة، وكم من دفاع عن التوحيد ونبذ للشرك قد أثبتته الظعينة التي أخرجها الإمام الحسين عليه السلام، فضلاً عن الدفاع عن الولاية والنبوة وإعادة الإسلام إلى مساره الذي وضعه له الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وعليه: قد يجد القارئ ضرورة في بيان معنى الإشاءة التي تصدرت كلام الإمام الحسين عليه السلام، وما الفرق بينها وبين الإرادة، وهل إن الإشاءة الإلهية تعني رفع العقاب عن القتلة لأن الله شاء أن يراهن سبايا؟
وعن المشيئة في القرآن يقول السيد نبيل الحسني: أما القرآن الكريم فقد اشتمل على آيات كثيرة حول المشيئة مما يجعل تتبعها وبيان معانيها ودلالاتها يعد في حد ذاته بحثاً مستقلاً؛ إلا أن خير ما يمكن أن يظهر معنى المشيئة في القرآن وبشكل موجز ما تناوله الشريف المرتضى في أحدى رسائله العقائدية، فكان كلامه بحق وافياً لمن أراد أن يحيط بمعنى المشيئة وعلاقتها بالإيمان، فقال رحمه الله تعالى وتحت عنوان: الإيمان وحقيقة المشيئة ما يأتي: فإن سألوا عن معنى قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس 99). قيل لهم: معنى ذلك لو شاء ربك لألجأهم إلى الإيمان، لكنه لو فعل ذلك، لزال التكليف، فلم يشأ ذلك بل شاء أن يطيعوا على وجه التطوع والإيثار لا على وجه الإجبار والاضطرار، وقد بين الله ذلك فقال: "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ" (يونس 99). يريد إني أنا أقدر على الإكراه منك ولكنه: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256). وكذلك الجواب في قوله: "وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا فَعَلُوهُ" (الانعام 137). وقوله تعالى: "فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ" (النمل 149). وقوله: "وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ" (البقرة 253) ولو شاء لحال بينهم وبين ذلك، ولو فعل ذلك لزال التكليف عن العباد، لأنه لا يكون الأمر والنهي إلا مع الاختيار لامع الإلجاء والاضطرار. وقد بين الله (ذلك) بما ذكرنا من قوله: "إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ" (الشعراء 4). فأخبر أنه لو شاء لأكرههم على الإيمان. وقد بين ذلك ما ذكرناه من قصة فرعون وغيره أنه لم ينفعهم الإيمان في وقت الإكراه. وقد بين الله في كتابه العزيز أنه لم يشأ الشرك ، وكذب الذين أضافوا إليه ذلك، فقال تعالى: "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ" (الانعام 148). فأخبروا أنهم إنما أشركوا بمشيئة الله تعالى فلذلك كذبهم: ولو كانوا أرادوا أنه لو شاء الله لحال بيننا وبين الإيمان لما كذبهم الله، قال الله تكذيبا لهم: "كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا (الانعام 148) يعني عذابنا. "قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا (الانعام 148) يعني هل عندكم من علم أن الله يشاء الشرك ثم قال: "إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ" (الانعام 148) يعني تكذبون. كقوله: "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ" (الذاريات 10). وقال عز وجل: "مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" (الزخرف 20) يعني يكذبون.
ويستمر السيد الحسيني في سرد آيات من القرآن الكريم عن المشيئة: وقال عز وجل: "وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (النحل 35). خبر أن الرسل قد دعت إلى الإيمان، فلو كان الله تعالى شاء الشرك لكانت الرسل قد دعت خلاف ما شاء الله، فعلمنا أن الله لم يشأ الشرك. فإن قال بعض الأغبياء: فهل يشاء العبد شيئا أو هل تكون للعبد إرادة؟ قيل له: نعم قد شاء ما أمكنه الله من مشيئته ويريد ما أمره الله بإرادته، فالقوة على الإرادة فعل الله والإرادة فعل العبد. والدليل على ذلك قول الله تعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا" (الكهف 29). وقال تعالى: "فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا" (المزمل 19). وقال: "ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا" (النبأ 39). وقال: "تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ" (الاحزاب 51). وقال: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ" (يوسف 56). وقال: "فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا" (الاعراف 19).
https://telegram.me/buratha