الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كره ومشتقاتها "فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿غافر 14﴾ كره فعل، فأخلصوا أيها المؤمنون لله وحده العبادة والدعاء، وخالفوا المشركين في مسلكهم، ولو أغضبهم ذلك، فلا تبالوا بهم، و "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ﴿الصف 8﴾، و "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" ﴿الصف 9﴾، و "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 256﴾، و "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" ﴿آل عمران 83﴾، و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" ﴿النساء 19﴾.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الدين ليس إجباريا: إن آية الكرسي في الواقع هي مجموعة من توحيد الله تعالى وصفاته الجمالية والجلالية التي تشكل أساس الدين، وبما أنها قابلة للاستدلال العقلي في جميع المراحل وليست هناك حاجة للإجبار والإكراه تقول هذه الآية: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 216) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. (الرشد) لغويا تعني الهداية للوصول إلى الحقيقة، بعكس (الغي) التي تعني الانحراف عن الحقيقة والابتعاد عن الواقع. ولما كان الدين يهتم بروح الإنسان وفكره ومبني على أساس من الإيمان واليقين، فليس له إلا طريق المنطق والاستدلال وجملة: لا إكراه في الدين في الواقع إشارة إلى هذا المعنى، مضافا إلى أن المستفاد من شأن نزول هذه الآية وأن بعض الجهلاء طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بتغيير عقائد الناس بالإكراه والجبر فجاءت الآية جوابا لهؤلاء وأن الدين ليس من الأمور التي تفرض بالإكراه والإجبار وخاصة مع كل تلك الدلائل الواضحة والمعجزات البينة التي أوضحت طريق الحق من طريق الباطل، فلا حاجة لأمثال هذه الأمور. وهذه الآية رد حاسم على الذين يتهمون الإسلام بأنه توسل أحيانا بالقوة وبحد السيف والقدرة العسكرية في تقدمه وانتشاره، وعندما نرى أن الإسلام لم يسوغ التوسل بالقوة والإكراه في حمل الوالد لولده على تغيير عقيدته الدينية فإن واجب الآخرين بهذا الشأن يكون واضحا، إذ لو كان حمل الناس على تغيير أديانهم بالقوة والإكراه جائزا في الإسلام، لكان الأولى أن يجيز للأب ذلك لحمل ابنه على تغيير دينه، في حين أنه لم يعطه مثل هذا الحق. ومن هنا يتضح أن هذه الآية لا تنحصر بأهل الكتاب فقط كما ظن ذلك بعض المفسرين، وكذلك لم يمسخ حكم هذه الآية كما ذهب إلى ذلك آخرون، بل أنه حكم سار وعام ومطابق للمنطق والعقل. ثم أن الآية الشريفة تقول كنتيجة لما تقدم فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. (الطاغوت) صيغة مبالغة من طغيان، بمعنى الاعتداء وتجاوز الحدود، ويطلق على كل ما يتجاوز الحد. لذلك فالطاغوت هو الشيطان والصنم والمعتدي والحاكم الجبار والمتكبر، وكل معبود غير الله، وكل طريق لا ينتهي إلى الله. وهذه الكلمة تعني المفرد وتعني الجمع. أما المقصود بالطاغوت، فالكلام كثير بين المفسرين. قال بعض إنه الصنم، وقال بعض إنه الشيطان، أو الكهنة، أو السحرة، ولكن الظاهر أن المقصود هو كل أولئك، بل قد تكون أشمل من كل ذلك، وتعني كل متعد للحدود، وكل مذهب منحرف ضال. إن الآية في الحقيقة تأييد للآيات السابقة التي قالت أن لا إكراه في الدين، وذلك لأن الدين يدعو إلى الله منبع الخير والبركة وكل سعادة، بينما يدعو الآخرون إلى الخراب والانحراف والفساد. على كل حال، إن التمسك بالإيمان بالله هو التمسك بعروة النجاة الوثقى التي لا تنفصم.
عن مفهوم الانتظارعند سماحة الشيخ جلال الدين الصغير امام جامع براثا: والكسل عن التهيئة نوع من الفسق "قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ" (التوبة 53-54) فالتهيئة للقضية المهدوية تتطلب الانفاق بدون اكراه.
جاء في موقع مكتبة حقوق الانسان بجامعة منيسوتا عن البيان العالمي عن حقوق الانسان في الاسلام: حقوق الأقليات: (أ) الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام: "لا إكراه في الدين" (البقرة 256). (ب) الأوضاع المدنية، والأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا: "فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط" (المائدة 42). فإن لم يتحاكموا إلينا كان عليهم أن يتحاكموا إلى شرائعهم ما دامت تنتمي عندهم لأصل إلهي: "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك" (المائدة 43)، "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" (المائدة 47).
https://telegram.me/buratha