الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: قد اشتهر في ألسنة المتشرعة تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر. وقد اختلف الاصحاب (رضي الله عنهم) في أن ذلك هل هو تقسيم إضافي، لاختلاف مراتب المعاصي في ما بينها، فكل معصية بالاضافة إلى ما دونها كبيرة، وبالاضافة إلى ما فوقها صغيرة، وإلا فكل معصية في نفسها كبيرة، لما فيها من الجرأة على الله تعالى وانتهاك حرمته، أو هو تقسيم حقيقي راجع إلى خصوصية في بعض المعاصي دون بعض، فالكبائر قسم خاص منها يشترك في مقدار من الاهمية، والصغائر قسم آخر دونها، وإن اختلفت أفراد كل من القسمين في مراتب الاهمية. وحكي الاول عن جمع من الاصحاب، كالمفيد والقاضي والشيخ في العدة والطبرسي والحلي وقد يظهر مما حكي عن الصدوق قدس سره، حيث قال: (الاخبار في الكبائر ليست مختلفة، لان كل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، وكل كبير صغير بالنسبة إلى الشرك بالله)، بل في مجمع البيان وعن العدة والسرائر نسبته إلى أصحابنا. وذهب جماعة إلى الثاني، وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط والعماد والمتأخرين قاطبة، وعن مجمع البرهان نسبته إلى العلماء تارة، وإلى اكثرهم اخري، وإلى المشهور ثالثة، وعن مصابيح الظلام أنه المشهور المعروف. وكيف كان فالظاهر الثاني، لمطابقته لظاهر الكتاب العزيز والسنة الشريفة قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم وندخلكم مدخلا كريما" (النساء 34)، وأما السنة فهي مستفيضة بل متواترة، كما يظهر بملاحظة ما ورد في وجوب اجتناب الكبائر وتعيينها والتوبة منها. وقد عقد لها في الوسائل الباب الخامس والاربعين والسادس والاربعين والسابع والاربعين من أبواب جهاد النفس، وهي دالة بمجموعها بوجه لا يقبل التأويل على التقسيم المذكور، كما يظهر لمن راجعها. وهي لا تنافي ما دل على النهي عن تحقير الذنب والاستهانة به، وأن أشد الذنوب ما استهان به صاحبه، وأنه لا كبير مع الاستغفار، ولا صغير مع الاصرار، وأنه لا تنظروا إلى صغير الذنب، ولكن انظروا إلى ما اجترأتم، ونحو ذلك. فإن اشتراك الذنوب في الجرأة على الله تعالى المهمة في نفسها لا تنافي تفاوتها في أنفسها في الاهمية. كما أن تحقير الذنب قد يرجع إلى الاستهوان بما يصاحبه من الجرأة على الله تعالى الموجب للاستخفاف بحقه، وهو قد يكون أهم من الذنب. بل قد يوجب التسامح فيه والازدياد منه والاصرار عليه، وذلك محذور زائد على أصل المعصية. بل قد يكون في كثير من النصوص المذكورة شهادة على المدعى من انقسام الذنوب إلى الصغائر والكبائر، فراجع الباب الثالث والاربعين من أبواب جهاد النفس من الوسائل. وبالجملة: لا مجال لرفع اليد عن الادلة المتقدمة الظاهرة أو الصريحة في كون التقسيم المذكور حقيقيا لا إضافيا.
كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن الوجه هو الالتزام بأن الموضوع له هو خصوص الاجزاء والشرائط الشخصية الثابتة في حق القادر المختار، العالم العامد، من دون حاجة إلى فرض جامع عنواني بسيط بينها، وليس ما ثبت في حق غيره من أفراد المسمى الحقيقة، بل هو بدل مسقط عنه. نعم، قد تكون حقائق متشرعية ناشئة عن توسع المتشرعة في استعمال الألفاظ فيها بسبب ترتب الأثر المهم عليها، وكثر ذلك منهم حتى صارت حقائق عندهم، لكل لا بلحاظ انتزاعهم الجامع بينها وبين المعنى التام بل بلحاظ وضعهم لافراد الناقص لمشاركتها للموضوع له الأصلي في مناط التسمية عندهم، نظير الوضع العام والموضوع له الخاص الذي لا يفرض فيه قدر جامع في مقام الاستعمال في الافراد. ويشكل ما ذكره من وجون: أولها: أن الاجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العالم العامد مختلفة في أنفسها باختلاف الأوقات والحالات والافراد فتختلف اليومية في أفرادها وفي حالتي الحضر والسفر، كما تختلف عن بقية الفرائض، وتختلف الفرائض عن النوافل، والنوافل فيما بينها ، وتختلف أقسام الحج والعمرة ، إلى غير ذلك، فلو أمكن فرض القدر الجامع بين الافراد المختلفة أمكن فرضه بينها وبين ما ثبت في حق الشخص المذكور. ثانيها: أن دعوى كون الوضع أو الاستعمال في لسان المتشرعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص مخالفة للمرتكزات الاستعمالية القطعية، حيث لا إشكال في ملاحظة القدر الجامع عند الاستعمال، كما في المثنى والجمع والاستعمال في الماهية. بل دعوى ذلك في لسان الشارع الأقدس أهون من دعواه في لسان المتشرعة، لان إدراك المستعمل فيه في لسانه بالتبادر بضميمة أصالة تشابه الأزمان، وفي لسانهم بالوجدان غير القابل للتشكيك. وثالثها: أن التزام عدم إطلاق العناوين المذكورة في لسان الشارع على ما ثبت في حق المضطر غريب حدا لا يناسب الآيات والنصوص، فقد صدرت آية التميم بقوله تعالى: "إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ" (المائدة 6)، وقال تعالى: في صلاة الخوف "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ" (النساء 102)، إلى غير ذلك مما يتضح بأدنى نظرة في الاستعمالات. ومن الغريب جدا التزامه بأن ثبوت الاجزاء والشرائط غير المتعذرة في حق من يكتفى منه بالعمل الاضطراري من بعض الجهات ليس لاطلاق أدلتها لان موضوعها المسمي، وهو مصوص التام بل للاجماع على ثبوت تلك الأجزاء في حق من لم تتعذر عليه. وأما ما ذكره من امتناع فرض الجامع المركب الحاكي عن الاجزاء والشرائط الشخصية، فقد أورد عليه سيدنا الأعظم قدس سره بإمكان كون الجامع مركبا ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الأحوال واحدا لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له، فكما جاز أن يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه. نعم، جعله مركبا من خصوص الاجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين، لكن لا ملزم به في مقام تصوير الجامع ثبوتا.
عن كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: ظاهر عدم جواز الترافع لهم فيها، لإطلاق أدلة المنع، وقصور ما تقدم عن إثبات الجواز عدا الأدلة العامة من دليل رفع الضرر والحرج ونحوهما. ويشكل التمسك بها في المقام، لابتناء تشريع القضاء على تعرض الحق للضياع، كما صرح به في النصوص، فلو كان ضياع الحق واقعا موجبا لقصور أدلته لاضطرب أمره ولم يصلح لفصل الخصومات وسد باب الفساد. ولذا لا إشكال ظاهرا في عدم جواز رد الحكم لصاحب الحق لو كان موجبا لضياع حقه، مع أن حرمة الترافع لحاكم الجور ونفوذ حكم حاكم العدل مسوقان في الأدلة بمساق واحد، كما يظهر من مقبولة ابن حنظلة، ومن قوله تعالى: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أنفُسِهِم حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيما" (النساء 65). بل حمل أدلة النهي عن الترافع لحكام الجور مع ما تضمنته من التشديد والتأكيد على خصوص من يحفظ حقه بالرجوع لحكام العدل كالمستهجن، لعدم الداعي للشخص المذكور في الترافع لحكام الجور، فلا يحتاج بيان الحكم في حقه للتأكيد والتشديد. واحتمال صرفه لخصوص ما لو كان ناشئا عن الرغبة في تأييد حكم الجور وإهمال حكم الحق، بعيد جدا، لظهور كون المخاطب بالنهي هم الشيعة الذين يبعد منهم تحقق الداعي المذكور. بل لا يظن من أحد الالتزام بأنه كان يجوز للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام للإعراض عن التحاكم إليهما والرجوع لغيرهما من حكام الضلال تشبثا بتعذر إثبات الحق عندهما. والفرق بينهم عليهم السلام وبين المنصوب من قبلهم بلا فارق، خصوصا بعد اتحاد دليل حرمة الرجوع لحكام الجور وإهمال حكام العدل. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في حرمة الرجوع لحكام الجور في الصورة المذكورة، وهو المطابق للمرتكزات جداً. ولا وجه لما صرح به سيدنا المصنف قدس سره وغيره من جواز الترافع لهم فيها. قتل النفس المحترمة: فقد تظافرت النصوص بعده من الكبائر، وفيها الصحيح والموثق، وفي خبري أبي الصامت ومحمد بن مسلم عده من السبع أو الثمان التي هي أكبر الكبائر. هذا وفي خبر عبيد بن زرارة- وفي طريقه الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع (وقتل المؤمن متعمدا على دينه) وربما يحمل عليه ما في صحيح عبد العظيم، حيث استدل عليه السلام بقوله تعالى: "فجزاؤه جهنم خالدا فيها" (النساء 93)، بناء على اختصاصها بالمتعمد الذي يقتل المؤمن على دينه، كما روي في تفسير العياشي. لكن لا مجال للخروج بذلك عن إطلاق النصوص الأخر بعد ما تقدم من أن اختلاف النصوص في التعداد مانع من البناء على ظهورها في الحصر وأنها قد تحمل على اختلاف مراتب الأهمية، ولاسيما مع كون الخبر قد تضمن أن الكبائر خمس. هذا مضافا إلى شدة الوعيد على مطلق تعمد القتل في السنة الشريفة بل في الكتاب المجيد كما يأتي في الآية المستدل بها في الزنا، وقد تقدم أنه كاف في كون الذنب كبيرة.
https://telegram.me/buratha