الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: وكما كان القرآن محيطا بالماضي، كذلك كان محيطا بالمستقبل، فكم من خبر مستقبل كشف القرآن حجابه فتحقق وفقا لما أخبر به، ورآه المشركون، ومن هذا القبيل أخبار القرآن بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، إذ قال تعالى: "غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين" (الروم 2-4). وقد أخبر القرآن بذلك على أعقاب هزيمة فضيعة مني بها الروم، وانتصار ساحق سجله الفرس عليهم، ففرح المشركون بذلك لانهم رأوا فيه انتصارا للشرك والوثنية على رسالات السماء، نظرا إلى أن الفرس المنتصرين كانوا وثنيين والروم كانوا نصارى، فنزل القرآن يؤكد انتصار الروم في المستقبل القريب، فهل يمكن لكتاب غير نازل من الله تعالى ان يؤكد خبرا غيبيا في المستقبل القريب من هذا القبيل، ويربط كرامته ومصيره بالغيب المجهول، وهو يهدد مستقبله بالفضيحة إذا ظهر كذبه في نبوءته؟ وهكذا نجد أن القرآن يتحدى الغيب في الماضي والمستقبل على السواء، ويتحدث بلغة المطمئن الواثق، الذي لا يخالجه شك فيما يقوله، وهذا ما لا يقدر عليه انسان، أو كتاب انسان وفقا للقوانين الطبيعية.
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: القرآن وحي إلهي: وأحد هذه التصورات الأساسية مثلا هو أن يكون معتقدا بأن القرآن هو وحي إلهي وليس نتاجا بشريا، فالباحث الذي يتعامل مع القرآن على أساس أنه وحي من الله يتمكن من تفسير مجموعة من الظواهر التي يجدها فيه بشكل يختلف عن تفسير ذلك الباحث الذي يتعامل معه على أساس أنه نتاج بشري لشخص رسول الله صلى الله عليه وآله. وعلى سبيل المثال، فإن القرآن قد أقر مجموعة من الأعراف في العصر الجاهلي كان يمارسها الجاهليون، من قبيل الحج الذي كان موجودا قبل الإسلام، إذ كان العرب يقصدون البيت الحرام في موسم الحج ويقفون في عرفات ويجتمعون في منى ويسعون بين الصفا و المروة ويطوفون بالبيت الحرام، وبتعبير آخر: أنهم كانوا يؤدون مجمل الشعائر التي سميت بعد ذلك بشعائر الحج والتي أقرها الإسلام أيضا. إن تفسير مثل هذه الإقرارات سوف يختلف باختلاف ذهنية المفسر لا محالة، فالذي يرى أن القرآن الكريم جهد بشري ونتاج لرسول الله صلى الله عليه وآله يفترض أن الرسول صلى الله عليه وآله قد تأثر وانفعل بهذه الأعراف، وأنه أراد أن ينسجم معها ولا يعارضها ابتداء، حتى يتمكن من أن يؤثر في المجتمع آنذاك ويصلحه. وأما لو نظرنا إلى القرآن الكريم بنظرة إسلامية صحيحة قائمة على أساس أنه وحي إلهي لا يمكن أن ينفعل أو يتأثر بالحالة الاجتماعية القائمة آنذاك، فحينئذ لا يمكن أن تفسر مثل هذه الظاهرة بأنها عملية انفعال من قبل الرسول صلى الله عليه وآله بتلك الأعراف، بل لا بد وأن ندرك أن القرآن الكريم وإن جاء لتغيير المجتمع الجاهلي ولكنه أقر الأوضاع الإنسانية التي تكون منسجمة مع الفطرة البشرية، أو التي بقيت من التراث الإلهي الذي عرفته الإنسانية قبل الإسلام. ووجد في مثل هذه الأعراف ما ينسجم مع الفطرة وأهداف الدين الجديد، والإسلام هو دين الفطرة الإنسانية: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" (الروم 30). وهناك ظاهرة أخرى قائمة في القرآن الكريم هي ظاهرة اعترافه بالديانات السابقة وتصديقها وإقراره لكثير من الأحكام التي كانت موجودة فيها. فإذا أردنا أن نفسر هذه الظاهرة وفق الذهنية الصحيحة التي ترى في القرآن الكريم وحيا إلهيا فإننا نقول: بأن القرآن الكريم هو وحي إلهي، وما جاءت به الديانات السابقة هو وحي إلهي أيضا، وعلى هذا فإن الاعتراف بها والانسجام الموجود بينها أمر طبيعي وذلك لوحدة مصدرها.
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب الفساد في الأرض: وفي تطور آخر إلى جانب الاختلاف العقائدي بدأ سبب آخر للاختلاف ينطلق من الهوى أيضاً، وهو: الاختلاف بسبب الجهل والطغيان، وتحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة، أو تقاليد مقدسة لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوى والأغراض الشخصية أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى انقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة يقتل بعضهم البعض الآخر ويشرده من دياره، أو يستعبده ويستغله من أجل مصالحه وحاجاته وإرضاء لرغباته وشهواته. "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم 41). وهناك المئات من الآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.
جاء في كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: سنّة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية و الحياتية للناس: سنّة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية و الحياتية للناس بتغيير المحتوى النفسي و الروحي لهم. و قد تحدّث القرآن الكريم عن هذه السنة في عدّة مواضع: منها: قوله تعالى في سياق القصص القرآني: "ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ" (الروم 41-42).
https://telegram.me/buratha