الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: شخصية نوح - عليه السلام - لم يتحدث القرآن الكريم عن الحياة الشخصية لنوح، أو بعض ما جرى له قبل رسالته ودعوته، كما تحدث عن إبراهيم وموسى وعيسى عليهما السلام. ولعل السبب في ذلك - والله أعلم - أنّه لا يوجد شيء فيها يثير الاهتمام بالنسبة إلى الأغراض القرآنية للقصة. أو أن القرآن كان منهجه التفصيل النسبي بالنسبة إلى الأنبياء اللاحقين لوجود أقوام يتبعونهم ولا زالوا على ديانتهم والانتماء الخاص لهم دون الأنبياء السابقين الذين لا يتصفون بهذه الصفة. ولكن يمكن أن نستنتج من المحاورة التي جرت بين نوح - عليه السلام - والملأ من قومه أن نوحاً كان من طبقة الأشراف والملأ منهم. ولذلك كانوا يحتجون عليه بمعاشرة الأراذل من الناس ويطلبون منه أن يطردهم. كما أن هذا الانتماء لهذه الطبقة من الناس قد يفسر لنا العامل الاجتماعي والله أعلم في ضلال زوجته وابنه حيث كانوا يتأثرون بهذه العوامل الاجتماعية. كما أنّه يمكن أن نستنتج أنّه كان على درجة عالية من الشجاعة والاقدام والصبر والتحمل لما توحيه ظروف المحاصرة والعزلة والتكذيب والتهديد له بالقتل، وهو مع كل ذلك يستمر في رسالته دون ملل أو كلل مع طول المدة، كما سوف نعرف ذلك. لم يترك القرآن الحديث عن شخصية نوح عليه السلام ومواصفاته العامة، من خلال منها كان نوح أول أولي العزم الذين هم سادة الأنبياء وأصحاب الرسالات الإلهية العامة إلى البشر جميعاً، الذين أخذ الله تعالى منهم الميثاق الغليظ، ولذا فشريعته أول الشرائع الإلهية المشتملة على تنظيم الحياة الإنسانية. وقد ذكرنا إشارة القرآن الكريم إلى ذلك في الآية "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (الشورى 13)، وكذلك في الآية "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (الأحزاب 7).
جاء في موقع مؤوسسة تراث الشهيد الحكيم عن الحرية في فكر الإمام محمد باقر الحكيم قدس سره للباحث حسين سيد نور الاعرجي: وفي معرض الحديث عن الحرية والاختيار يؤكد الإمام الحكيم قدس سره أن حد الحرية والاختيار، هو مستبطن في فطرة الاستخلاف، ذلك أن الإنسان لما كان مسئولا عن التقيد بإحكام المستخلف وبالحق والمصالح الواقعية هناك، فان هذه المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى لا معنى لها إلا بالحرية والاختيار، وهذه الحرية والاختيار يمكن أن تفهم من جعل الإنسان خليفة لله تعالى الذي يتصف بالإرادة والاختيار، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسؤولية التي تحملها الإنسان في آية (الأمانة) قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الاحزاب 72) فهو المسئول عن أداء هذه الأمانة ويعاقب على خيانتها أو حفظها، لأنه مختار وبإمكانه أن يختار الصواب والهدى فيسمو و يتسافل ويعاقب، وهذه الإرادة من الأمور الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان.
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: والتفسير على قسمين بلحاظ الشئ المفسر، وهما: أولا تفسير اللفظ: ويراد به بيان معنى اللفظ لغة. ثانيا تفسير المعنى: ويراد به تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم مثلا كلمات تصف الله سبحانه وتعالى بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام كلفظة أهل البيت في قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الاحزاب 33). ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات وأمثالها بحثين، هما: الأول: البحث في مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية وهذا هو التفسير اللفظي. الثاني: البحث في تعيين مصاديق هذه المفاهيم. فبالنسبة إلى الله تعالى، كيف يسمع؟ وبأي شئ؟ وكيف يعلم؟ وبالنسبة لأهل البيت، من هم هؤلاء؟ وهل المصداق هو زوجات النبي صلى الله عليه وآله؟ أم الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ وهذا هو تفسير المعنى الذي نقصده. أهمية التمييز بين التفسيرين: والتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى مهم جدا لحل التناقض الظاهري الذي قد يبدو لبعض الأذهان بين حقيقتين في القرآن الكريم، وهما: الأولى: حقيقة كونه كتاب هداية لكل البشر، وما تفرضه هذه الحقيقة من كون القرآن ميسرا للفهم، متاحا لكل إنسان استخراج معانيه، لكي يستطيع أن يؤدي هدفه هذا. الثانية: هي وجود كثير من الموضوعات في القرآن لا يتيسر فهمها بسهولة، بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية، هذه المواضع التي لم يكن بإمكان القرآن الكريم أن يتفادى الخوض فيها، لأنه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسة ربط البشرية بالغيب وتنمية غريزة الإيمان لديها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق طرح مثل هذه الموضوعات التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من عالمه المنظور وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته. وحل هذا التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى.
https://telegram.me/buratha