طاهر باقر
نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم هو ليس كأحد من البشر، تقع عليه مسؤولية عظيمة هي تبليغ رسالة السماء، وايصال صوت السماء الى الارض، وهداية ملاين الناس الى سبل الرشاد وتتطلب هذه المسؤولية خصائص يتميز بها النبي دون سائر البشر حتى يتمكن من ادائها على احسن وجه ممكن.
ومن هذه الخصائص التي يجب ان يتمتع بها النبي هي الحفظ وعدم النسيان، لان النسيان فيه تضييع للقرآن الكريم والعقائد والاحكام الشريفة، ومعه يحدث الالتباس وتقع الاخطاء الفضيعة واقحام تشريعات الى الدين ماانزل الله بها من سلطان، لان الذي ينسى سيضع من عنده اشياء هي لم تكن موجودة في الاصل، فمن نسى شيئا من القرآن سيزيد او ينقص فيه والزيادة كالنقصان اذا وقعا احدثا خللا في الكتاب المقدس.
فالنسيان مؤداه الوقوع في الخطأ والالتباس وهذا يعني نفي العصمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا محال لانه من دون العصمة لايكون نبيا، فلو اجزنا الخطأ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سنجيز وقوع الخطأ ايضا في رسالة السماء، وهكذا تتحول الرسالة السماوية الى رسالة بشرية وضعية مليئة بالاخطاء والبدع.
فالعصمة هي لازمة للنبي يحفظ بها دين الله من العيب والخطأ، وينزهه عن الاهواء والتصورات البشرية، فياتي بالرسالة كما انزلها الله سبحانه وتعالى طرية نقية خالية من الشوائب والعيوب، ويبلغها عباد الله حتى تطمئن نفوسهم ان ماجلبه لم يكن من عند نفسه بل هو من عند الله.
مالذي حدث لكي يقع الالتباس لدى البعض؟ ويظن بجواز السهو والنسيان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
نزلت آية في القرآن الكريم التبس تفسيرها على بعض المفسرين ومن هنا اجازوا السهو والنسيان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
الآية التي نزلت في القرآن الكريم هي( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) (1) فالذين قالوا بنسيان وسهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم استدلوا بالاستثناء (الا ماشاء الله) بان الله عزوجل ثبت هذا النسيان في قرآنه بما لا يمكن نكران ذلك.
فالآية الاولى (سنقرئك فلاتنسى) تبين تدخل الله سبحانه وتعالى في هذه المسألة الهامة والحساسة من خلال اعانته لنبيه على قراءة القرآن الكريم وحفظ آياته، وفوق ذلك اعانه بتذكر ماحفظه من القرآن، فالاصل هنا هو الحفظ والاستثناء هو النسيان وعادة مايقع الاستثناء في حالات واوضاع خاصة وهي هنا الآيات المنسوخة من القرآن الكريم.
والآية الكريمة التي نزلت في الناسخ والمنسوخ تعطينا الجواب الناصع بخصوص نسيان الرسول صلى الله عليه وآله لبعض الآيات وتقول الآية: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(2)، (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها (أو ننسها) بأن نرفع رسمها، ونزيل عن القلوب حفظها وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالى (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) أن ينسيك فرفع ذكره عن قلبك، فالآيات التي نسيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي الآيات المنسوخة، ونلاحظ في تتمة الآية هناك جواب لمن يسأل عن الناسخ والمنسوخ والغرض منهما (نأت بخير منها) يعني بخير لكم، فهذه الآية الثانية أعظم لثوابكم، وأجل لصلاحكم من الآية الأولى المنسوخة (أو مثلها) من الصلاح لكم، أي إنا لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم.
واما من يقول بجواز السهو والنسيان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلامه هذا يتناقض مع صريح القرآن الكريم (سنقرئك فلاتنسى) وفي هذه الآية نفي قطعي بنسيان النبي، ولافرق في ذلك بمن يقول ان (اللا) هي النافية او الناهية وفي كلتي الحاتين لايجوز النسيان على رسول الله: لأن (اللا) النافية فيها اخبار من قبل الباري عزوجل بان النبي لن ينسى واما (اللا) الناهية ففيها امر الهي للرسول بعدم النسيان ولاشك ان النبي سيمتثل لامر الله ولن ينسى ماامر به الله عز وجل ان يحفظه؛ الا بعض الآيات التي سينساها بامر الهي وبسبب نسخها.
بقلم: طاهر باقر
---------------------------------------------------------------
(1) الاعلى – 6 – 7-
(2) البقرة – 106 -
https://telegram.me/buratha