الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن الوحي "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" ﴿يونس 15﴾، و "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿يونس 87﴾، و "وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" ﴿يونس 109﴾، و "فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" ﴿هود 12﴾، و "وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" ﴿هود 36﴾
قوله تعالى "وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" ﴿البقرة 120﴾ ولن ترضى عنك أيها الرسول اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم، قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح، ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك، ولا نصير ينصرك. ومن الشبهات التي لها علاقة بالبصيرة: هل يصح ان النبي محمد شكّ وتردد بالوحي الالهي؟ حيث قالت الرواية المشكوك في صحتها (وخشيت على نفسي) وانه اراد ان يتحقق ويتعلم من راهب نصراني ويتناقض مع البينة من ربه وهو على بصيرة قلبية لا شائبة بها "قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي" (الانعام 57) و"أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف 108) فهل بينة وبصيرة ورقة بن نوفل اقوى من بينة و بصيرة افضل الانبياء.
تكملة للحلقة السابقة جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: الوحي إلى غير الأنبياء عليهم السلام: وهو على أقسام: الإيماءة الخفية (وحي الإشارة): وهو المعنى اللغوي نفسه. ومنه قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا" (مريم 11). تركيز غريزيّ فطريّ في الإنسان والحيوان(وحي الإلهام): وهو تكوين طبيعيّ مجعول في الإنسان والحيوان، ومنه قوله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ" (القصص 7) "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا" (النحل 68). تركيز طبيعي في الجماد (وحي التقدير): وهو تكوين طبيعيّ مجعول في الجمادات، ومنه وقوله تعالى: "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" (فصلت 12). أمر رحماني (وحي الأمر): وهو شعور نفساني داخلي مصدره الله تعالى، ومنه قوله تعالى: "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي" (المائدة 111)، "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ" (الانفال 12). وسوسة شيطانية (وحي الكذب): وهو شعور نفساني داخلي مصدره الشيطان، ومنه قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" (الانعام 112)، "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ" (الانعام 121).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا" (النساء 163) أن الله أوحى إلى نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كما أنزل الوحي على أنبيائه نوح والنبيين الذين جاؤوا من بعد نوح، وكما أوحى إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وأنزل الوحي على الأنبياء من أبناء يعقوب، وعلى عيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان عليهم السلام، وكما أنزل الله على داود عليه السلام كتاب الزبور. وهذه الآية ترد على اليهود مؤكدة على أن شرائع الأنبياء العظام مستقاة كلها من ينبوع الوحي الإلهي، وإنهم جميعا يسيرون في طريق واحد، ولذلك لا تجوز التفرقة بينهم. وقد تكون هذه الآية خطابا للمشركين والكفار من عرب الجاهلية، الذين كانوا يظهرون الدهشة والعجب من نزول الوحي على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهي ترد على هؤلاء مؤكدة أن لا عجب في نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد نزل قبل ذلك على الأنبياء السابقين. ثم تبين الآية أن الوحي لم يقتصر نزوله على هؤلاء الأنبياء، بل نزل على أنبياء آخرين حكى الله قصصهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، وأنبياء لم يحك الله قصصهم، وكل هؤلاء الأنبياء أرسلهم الله إلى خلقه، وأنزل عليهم الوحي من عنده، تقول الآية: "وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ" (النساء 164) وتبين هذه الآية في آخرها قضية مهمة جدا، وهي أن الله قد كلم موسى بدل أن ينزل عليه الوحي، فتقول: "وكلم الله موسى تكليما" (النساء 164). وعلى هذا الأساس فإن صلة الوحي ظلت باقية بين البشر، ولم يكن من عدل الله أن يترك البشر دون مرشد أو قائد، أو أن يتركهم دون أن يعين لهم واجباتهم وتكاليفهم، وهو الذي بعث الأنبياء والرسل للبشر مبشرين ومنذرين، لكي يبشروا الناس برحمته وثوابه، وينذرونهم من عذابه وعقابه لكي يتم الحجة عليهم فلا يبقى لهم عذر أو حجة، تقول الآية: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" (النساء 165) فقد أحكم الله العزيز القدير خطة إرسال الأنبياء ونفذها بكل دقة، وبهذا تؤكد الآية وكان الله عزيزا حكيما فحكمته توجب تحقيق هذا العمل، وقدرته تمهد السبيل إلى تنفيذه، وعلى عكس ذلك فإن إهمال هذا الأمر المهم، إما أن يدل على الافتقار إلى الحكمة والمعرفة، أو أنه دلالة على العجز، والله منزه عن كل هذه العيوب.
https://telegram.me/buratha