الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى عن الرقم أربعين "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" ﴿البقرة 51﴾ أربعين اسم، واذكروا نعمتنا عليكم: حين واعدنا موسى أربعين ليلة لإنزال التوراة هدايةً ونورًا لكم، فإذا بكم تنتهزون فرصة غيابه هذه المدة القليلة، وتجعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبودًا لكم من دون الله وهذا أشنع الكفر بالله- وأنتم ظالمون باتخاذكم العجل إلهًا، و "قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ" ﴿المائدة 26﴾ أربعين ظرف زمان، قال الله لنبيه موسى عليه السلام: إن الأرض المقدَّسة محرَّم على هؤلاء اليهود دخولها أربعين سنة، يتيهون في الأرض حائرين، فلا تأسف يا موسى على القوم الخارجين عن طاعتي.
قال الله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي" ﴿الأحقاف 15﴾ بعد أن مر بمراحل الجنين والولادة والطفولة والفطام ثم يصبح في أوج البلوغ في الأربعين سنة من عمرة هذا ما أكده القرآن، في حين نحن نسمع حديثا أن البلوغ يكون في العشرينات من العمر ويكتمل جسمه وعقله. وقد بلّغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرسالة عندما بلغ الأربعين سنة من العمر. وبعده يشكر العبد والديه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 142) لماذا التفكيك بين الثلاثين و العشر؟ إنّ أوّل سؤال يطرح نفسه في مجال الآية الحاضرة، هو: لماذا لم يبيّن مقدار الميقات بلفظ واحد هو الأربعين، بل ذكر أنّه واعده ثلاثين ليلة ثمّ أتمّه بعشر، في حين أنّه تعالى ذكر ذلك الموعد في لفظ واحد هو أربعين في الآية "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" ﴿البقرة 51﴾. ذكر المفسّرون تفسيرات عديدة لهذا التفكيك، و الذي يبدو أقرب إلى النظر و أكثر انسجاما مع أحاديث أهل البيت عليهم السلام هو أنّه و إن كان الواقع هو أربعين يوما، إلّا أنّه في الحقيقة وعد اللّه موسى في البداية ثلاثين يوما ثمّ مدّده عشرة أيّام أخرى، اختبارا لبني إسرائيل كي يعرف المنافقون في صفوف بني إسرائيل. فقد روي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: إنّ موسى عليه السلام لما خرج وافدا إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوما، فلمّا زاده اللّه على الثلاثين عشرا قال قومه، قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا (من عبادة العجل). و أمّا أن هذه الأيّام الأربعين صادفت أيّام أي شهر من الشهور الإسلامية، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّها بدأت من أوّل شهر ذي القعدة و ختمت باليوم العاشر من شهر ذي الحجة (عيد الأضحى). و قد جاء التعبير بلفظ أربعين ليلة في القرآن الكريم لا أربعين يوما، فالظاهر أنّه لأجل أن مناجاة موسى لربّه كانت تتمّ غالبا في الليالي. ميقات واحد أو مواقيت متعددة؟ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل ذهب موسى إلى ميقات ربّه مرّة واحدة، و هي هذه الأربعون يوما، و تلقى أحكام التوراة و شريعته السماوية عن طريق الوحي في هذه الأربعين يوما، كما اصطحب معه جماعة من شخصيات بني إسرائيل معه كممثلين عن قومه، ليشهدوا نزول أحكام التوراة عليه، و ليفهمهم أن اللّه لا يدرك بالأبصار أبدا، في هذه الأربعين يوما نفسها؟ أم أنّه كانت له مع اللّه أربعينات متعددة، أحدها لأخذ الأحكام، و في الأخرى اصطحب كبار قومه، و له احتمالا أربعون ثالثة لمقاصد و مآرب أخرى غير هذه، (كما يستفاد من سفر الخروج من التوراة الفعلية الفصل 19 إلى 24). و هنا أيضا وقع كلام بين المفسّرين، و لكن الذي يبدو أنّه أقرب إلى الذهن بملاحظة الآية المبحوثة و الآيات السابقة عليها و اللاحقة لها- أن جميع هذه الأمور ترتبط بحادثة واحدة لا متعددة، لأنّه بغض النظر عن أن عبارة الآية اللاحقة وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا تناسب تماما وحدة هاتين القصّتين، فإنّ الآية (145) من نفس هذه السورة "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" (الاعراف 145) تفيد بجلاء أن قصّة ألواح التوراة، و استلام أحكام هذه الشريعة قد تمّت جميعها في نفس هذا السفر أيضا.
من وصايا المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن زيارة الاربعين: ونحن أيضاً نقدم شكرنا واعتزازنا وامتناننا للمؤمنين المشاركين على اختلاف مشاركاتهم كل بموقعه على أن تكون القضية مبنية على حقيقتها وأن لا تخرج عن حقيقتها التي رسمت لها وهي دعوة سيد الشهداء كما يقول: (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر)، فليس لنا حالة عنف تعالوا اصبحوا مثلي، أنا عليّ أن أبرز ما عندي والباقي كلٌ بتوفيقه من أراد الله أن يوفقه يوفقه وأن أراد هو ان يعرض والشيطان يغلبه، هو وشيطانه "لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (المائدة 105)، "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر 38) لابد أن نستفيد من هذه الزيارة وأمثالها من المواسم بما يذكرنا وينبهنا الى ابراز واقعنا وحقيقتنا. "اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" (النحل 128)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران 200).
https://telegram.me/buratha