الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب أسرار زيارة الأربعين للشيخ محمد السند: من دعاء الامام الصادق عليه السلام لزوار قبر جده عليه السلام: (الّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيّكَ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا، وَغَيظاً أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوّنا.). وعن منع زيارة الحسين عليه السلام من قبل أنظمة الجور قال الله تعالى "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" (الصف 8). وعن زيارة الأربعين والمدينة الفاضلة: إن معسكر الأربعين هو عبارة عن تجسيد المجتمع والمدينة الفاضلة أمام مرأى البشر، وهذا التجسيد يتجدد في كل عام من قبل المؤمنين، وأحد تفسيرات المدينة الفاضلة التي فسرت من قبل الحكماء وأصحاب العلوم الأجتماعية هي التي لا تحتاج إلى رئيس وموجه، فكأنما البشر فيها قد وصلوا إلى مرحلة البلوغ العقلي والروحي والإداري والعلمي، فإن نسيجهم الطبيعي هو الذي يدبر نفسه بنفسه، وهذا في الحقيقة هو غلبة العقل والنور على الغرائز، لأن الغرائز الهابطة الأرضية كما يصفها القرآن الكريم "وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ" (الاعراف 27) منشأها هو الحرص والطمع وهذا ما بينه الكتاب الكريم "قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ" (البقرة 30).
وعن مجالس العزاء يقول الشيخ محمد السند: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاؤون خمسة (آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين) وأما علي بن الحسين عليه السلام فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. فقد صنع الإمام الحسين عليه السلام لأبنه السجاد عليه السلام جواً تربوياً وقلب حياته إلى رياضة ذكر الله تعالى عبر توجهه بالبكاء على أبيه إلى الله تعالى وهي أسلوب للشكاية من الظلم بتوجيه الشكاية إليه تعالى. بل لنترفع أكثر، هناك روايات ومن مصادر الفريقين قد أحصاها الشيخ الأميني في خمسة عشر مجلس أقامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكاءاً على سيد الشهداء عليه السلام وكذلك السيد شرف الدين، فقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ولادته وقبلها ويوم السابع من مولده وبعده في بيت فاطمة وفي حجرته وعلى منبره وفي بعض أسفاره وتارة يبكيه وحده، ومرة هو والملائكة، وأحياناً هو وعلي وفاطمة، وكان لنبي صلى الله عليه وآله وسلم يجهش في البكاء، فبكائه صلى الله عليه وآله وسلم تعالي روحي، وان كان سيد الأنبياء أعظم شأناً من سيد الشهداء ولكن نور الحسين يؤثر على نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أن نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من نور الحسين ولكن نور الحسين عليه السلام يؤثر على بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويؤثر على النفس النازلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني (حسين مني وأنا من حسين) ولا يخفى أن بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروحه ونفسه أعظم من بدن وروح الحسين عليه السلام لكن نور الحسين عليه السلام إذا قيس إلى النفس النازلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حسب بيانات أهل البيت عليه السلام هو قبل مقام النفس النازلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم صدورا في عالم الخلقة لأنه أول ما خلق الله نور النبي ثم نور علي ثم نور فاطمة ثم نور الحسن ثم نور الحسين ثم الأئمة التسعة المعصومين عليه السلام. وهذا شبيه ما ذكرناه في مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام بالنسبة لتسمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام بأم أبيها، فكيف تكون السيدة الزهراء عليها السلام أماً لأبيها المصطفى وهو أبوها وسيدها، فإن نورها شيء والنفس النازلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء آخر.
وعن القرآن والعترة يقول الشيخ السند في كتابه: وهكذا الأمر في القرآن والعترة، ففي بعض الروايات أن القرآن هو الثقل الأكبر، وفي بعضها أن العترة هم الثقل الأكبر، وهذا ليس تناقضاً في الروايات وإنما كل طبقة صفتها هكذا، فهناك طبقات في العترة إذا قيست مع الطبقات النازلة من القرآن فإن العترة هي الثقل الأكبر، والطبقات العليا في القرآن إذا قيست مع الطبقات النازلة في العترة فالقرآن هو الثقل الأكبر، وإن كان من حيث المجموع سيد الأنبياء هو سيد الأنبياء، ولذلك ورد في الروايات (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما). وهذا ليس معناه تفضيل فاطمة على النبي وعلي أو تفضيل علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله وإنما المقصود هو ما بيناه سابقاً، وهذا نظير (علي مني وأنا من علي) و (حسين مني وأنا من حسين) وورد (حسن مني وانا من حسن). إذن تداعيات نهضة الحسين عليه السلام أورثت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حالات روحية خاصة، وإلى الآن يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وذريتهما الرثاء لسيد الشهداء عليه السلام بل يزورونه هم وجميع الأنبياء، فإن أرواح النبيين عليهم السلام تستأذن الله في زيارته فيأذن لهم كما ورد ذلك في الروايات. وهكذا صنع سيد الشهداء عليه السلام مع باقي الأئمة عليهم السلام حتى قال الإمام المهدي عجل الله فرجه: فلأندبنك صباحاً ومساءا ولابكين عليك بدل الدموع دما) فلم يزل سيد الشهداء أسوة قُدُماً من الزمن الأول وإلى الآن كما ورد في قول أميرالمؤمنين له، وإذا كان هذا صنع الحسين عليه السلام بالمعصومين الأربعة عشر فكيف صنعه بالأنبياء السابقين، فحقاً كان سلوة وأسوة لهم في الصبر والتحمل والزهد في الدنيا وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا عبد الله لم تزل أسوة أنت قدماً.
https://telegram.me/buratha