الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب أسرار زيارة الأربعين للشيخ محمد السند عن حرمة مناسبة وموسم الأربعين: وهناك قاعدة شرعية أخرى وهي أن حريم أي مناسبة شرعية لا يقتصر تبجليها وتعظيمها بيوم تلك المناسبة بل ما قبلها وما بعدها أيضاً لهما نفس حرمة ذلك اليوم، وهذا شبيه بحرمة الموقع الجغرافي المقدس مثل الكعبة جعل لها المسجد الحرام حرمة لها ومكة حرمة للمسجد والحرم المكي حرمة لمكة والمواقيت حرمة للحرم المكي. وهكذا حرم المدينة المنورة جعل لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم فهي تحيط بالمسجد النبوي. فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من مخزون علم الله الإتمام في أربع مواطن: حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين ابن علي عليهم السلام.
وعن طاعة الله ورسوله يقول الشيخ محمد السند في كتابه: وهو أن الله عز وجل قرن طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بطاعته في عشرات الآيات "أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ" (المائدة 92) كما أنه في آية من الآيات قرن الله تعالى بطاعته وبطاعة النبي طاعة أولي الأمر "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " (النساء 59) وكما بينا في بحوث سابقة أن "الْأَمْر" هو الذي يتنزل في ليلة القدر "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4). وكما في قوله تعالى: "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ" (النحل 2). وقوله تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" (الدخان 3-5). وهذا الأمر نفسه هو الروح الأمري الذي ذكره تعالى في سورة الشورى "وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" (الشورى 52). ومن خلال هذا يتضح أن الله تعالى أمر بطاعتهم المطلقة والمقترنة بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقترنة بطاعته سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن هناك رديف تبعي لطاعة الله بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ورديف تبعي لطاعة الرسول بطاعة أولي الأمر، وهذه طاعة عظيمة الشأن وهي تستدعي إنقياد تام من الإنسان لأصحاب ولاية الطاعة، بل جعل الله تعالى مودة وقربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجر رسالته "قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" (الشورى 23). فهذه معادلات وحلقات واضحة في أن الروح الأمري ينزل على من هم أصحاب القرآن في الكتاب المكنون أو في اللوح المحفوظ وهم المطهرون "إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) وهم أصحاب الكتاب الذي هو الأمر الذي يتنزل ليلة القدر والذي "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" (الواقعة 79). فهؤلاء المطهرون الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم سوف ينقاد الإنسان إلى طاعتهم وولايتهم عندما يتعرف على المزيد من فضائلهم ومصائبهم بشكل رتيب راتب، وكلما قلت معرفة الإنسان بفضائل أهل البيت عليهم السلام وبمدى مقاماتهم في المحن والابتلاءات كلما صار انقياده إليهم أقل وبالتالي سوف يعصي الله في عدم الطاعة بالانقياد المطلق.
وعن طاعة أولي الأمر طاعة الدين يقول الشيخ السند في كتابه: "أَطِيعُوا اللَّهَ" (المائدة 92) أي أطيعوا الله في كل الدين، وكذلك إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل الدين أعم من القضاء والتشريع وأعم من السلطة التنفيذية، بل في كل الدين بما للدين من سعة التي تعم الدنيا والآخرة. وبما أن طاعة أولي الأمر مقرونة بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأيضاً كذلك أولي الأمر طاعتهم هي طاعة الدين بما للدين من سعة، ومن هنا فلا ينقاد الإنسان إلى مثل هذه الطاعة الشديدة والمهمة إلا إذا عرف المزيد من فضائلهم، ولا ينجذب إليهم إلا بالمزيد من معرفة محنهم ومصائبهم، فكثرة ذكر سيد الشهداء عليه السلام ومصائبه ومحنه وفضائله ومقاماته توجب جذب الإنسان إليه وبالتالي سوف يطيع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ذريته عليه السلام والذي هو الإنقياد للدين كله. وبقدر ما تنقص معرفة الإنسان بالحسين عليه السلام وبأهل بيته بقدر ما ينقص إنقياده اتجاههم عليه السلام. عن عبد العزيز القراطيسي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فذكرت له شيئاً من أمر الشيعة ومن أقاويلهم، فقال: يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم له عشر مراقي وترتقى منه مرقات بعد مرقات، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شيء حتى أنتهى إلى العاشرة قال: وكان سلمان في العاشرة، وأبو ذر في التاسعة، والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل، ولا تحملن عليه ما لا يطيقه فتكسره فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره، لأنك إذا ذهبت تحمل الفصيل حمل البازل فسخته. فإن سلمان رضوان الله عليه إنقياده لأمير المؤمنين عليه السلام أشد من أبي ذر رضوان الله عليه. إذن هذا المقام الكبير إنما يصل الإنسان إليه بسبب كثرة وشدة ذكره لهم صلوات الله عليهم، وهذا لا يحصل إلا ب (السلام عليك يا صاحب المصيبة الراتبة) يعني الرتيبة كل ساعة وكل آن وكل يوم وليس كل موسم مثلما نقول الراتبة يعني الراتبة والدئيبة والدؤب. قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) ، ومعنى هذا أن الله أعظم الحسين عليه السلام أن يقتصر ويكون لقرن أو قرنين من الزمن، أو لمنطقة الشرق الأوسط بل قدر سبحانه وتعالى أن يكون هذا عطاء منه لكل البشر (فلا يزداد أثره إلا علواً).
https://telegram.me/buratha