الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن التنازع ومشتقاتها "فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ" ﴿طه 62﴾ فَتَنَازَعُوا: فَ حرف استئنافية، تَنَازَعُ فعل، وا ضمير، فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ: اختلفوا في موسى هل هو نبي أم ساحر، فتجاذب السحرة أمرهم بينهم وتحادثوا سرًا، قالوا: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من بلادكم بسحرهما، ويذهبا بطريقة السحر العظيمة التي أنتم عليها، فأحكموا كيدكم، واعزموا عليه من غير اختلاف بينكم، ثم ائتوا صفًا واحدًا، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتَبْهَروا الأبصار، وتغلبوا سحر موسى وأخيه، وقد ظفر بحاجته اليوم مَن علا على صاحبه، فغلبه وقهره، و "يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ" ﴿الطور 23﴾ يَتَنَازَعُونَ: يتعاطَوْنَ في الجنة، وزدناهم على ما ذُكر من النعيم فواكه ولحومًا مما يستطاب ويُشتهى، ومن هذا النعيم أنهم يتعاطَوْن في الجنة كأسًا من الخمر، يناول أحدهم صاحبه؛ ليتم بذلك سرورهم، وهذا الشراب مخالف لخمر الدنيا، فلا يزول به عقل صاحبه، ولا يحصل بسببه لغو، ولا كلام فيه إثم أو معصية، و "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ﴿آل عمران 26﴾ قل أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه، و "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" ﴿الأعراف 27﴾ ينزع فعل، ينزع عنهما: يزيل عنهما، استلاباً بخداعه، يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان، فيزين لكم المعصية، كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء، فأخرجهما بسببها من الجنة، ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به؛ لتنكشف لهما عوراتهما، إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله، ولا يصدقون رسله، ولا يعملون بهديه، و "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" ﴿الأعراف 43﴾ وَنَزَعْنَا: وَ حرف استئنافية، نَزَعْ فعل، نَا ضمير، وأذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة من حقد وضغائن، ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجري في الجنة من تحتهم، و "وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ" ﴿الأعراف 108﴾ نزع يده: أخرجها من جيبه، وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللبن من غير برص آية لفرعون، فإذا ردَّها عادت إلى لونها الأول، كسائر بدنه.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" (الكهف 21) إذ للجملة على أي حال نوع تفرع على تنازع بينهم كما عرفت آنفا فإن كان التنازع المدلول عليه بقوله "إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" (الكهف 21) هو التنازع في أمر البعث بالإقرار والإنكار لكون ضمير "أَمْرَهُمْ" للناس كان المعنى أنهم تنازعوا في أمر البعث فأعثرناهم عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها لكن المشركين لم ينتهوا بما ظهرت لهم من الآية فقالوا ابنوا على أصحاب الكهف بنيانا واتركوهم على حالهم ينقطع عنهم الناس فلم يظهر لنا من أمرهم شيء ولم نظفر فيهم على يقين ربهم أعلم بهم، وقال الموحدون أمرهم ظاهر وآيتهم بينة ولنتخذن عليهم مسجدا يعبد فيه الله ويبقى ببقائه ذكرهم. وإن كان التنازع هو التنازع في أصحاب الكهف وضمير "أَمْرَهُمْ" راجعا إليهم كان المعنى أنا أعثرنا الناس عليهم بعد بعثهم عن نومتهم ليعلم الناس أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها عند ما توفاهم الله بعد إعثار الناس عليهم وحصول الغرض وهم أي الناس يتنازعون بينهم في أمرهم أي أمر أصحاب الكهف كأنهم اختلفوا : أنيام القوم أم أموات؟ وهل من الواجب أن يدفنوا ويقبروا أو يتركوا على هيئتهم في فجوة الكهف فقال المشركون: ابنوا عليهم بنيانا واتركوهم على حالهم ربهم أعلم بهم أنيام أم أموات؟ قال الموحدون "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" (الكهف 21). لكن السياق يؤيد المعنى الأول لأن ظاهره كون قول الموحدين "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" (الكهف 21) ردا منهم لقول المشركين "ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانا" والقولان من الطائفتين إنما يتنافيان على المعنى الأول ، وكذا قولهم "رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" (الكهف 21) وخاصة حيث قالوا "رَبُّهُمْ" ولم يقولوا: ربنا أنسب بالمعنى الأول. وقوله "قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" (الكهف 21) هؤلاء القائلون هم الموحدون ومن الشاهد عليه التعبير عما اتخذوه بالمسجد دون المعبد فإن المسجد في عرف القرآن هو المحل المتخذ لذكر الله والسجود له قال تعالى "وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ" (الحج 40). وقد جاء الكلام بالفصل من غير عطف لكونه بمنزلة جواب عن سؤال مقدر كأن قائلا يقول فما ذا قال غير المشركين؟ فقيل : قال الذين غلبوا إلخ ، وأما المراد بغلبتهم على أمرهم فإن كان المراد بأمرهم هو الأمر المذكور في قوله "إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" (الكهف 21) والضمير للناس فالمراد بالغلبة غلبة الموحدين بنجاحهم بالآية التي قامت على حقية البعث، وإن كان الضمير للفتية فالغلبة من حيث التصدي لأمرهم والغالبون هم الموحدون وقيل : الملك وأعوانه ، وقيل : أولياؤهم من أقاربهم وهو أسخف الأقوال.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً" (النازعات 1) "النازعات": من (النوع)، و نزع الشيء جذبه من مقرّه، كنزع القوس عن كبده، و منه نزع العداوة و المحبّة من القلب. و بذلك تشمل الأمور المعنوية أيضا. سميت السورة ب (النازعات) لورود هذه الكلمة في أوّل آية، و بها تبدأ السورة من بعد البسملة. روي عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنّه قال: (من قرأ سورة و النازعات لم يكن حبسه و حسابه يوم القيامة إلّا كقدر صلاة مكتوبة حتى يدخل الجنّة). و عن الإمام الصادق، أنّه قال: (من قرأها لم يمت إلّا ريّان، و لم يبعثه اللّه إلّا ريّان، و لم يدخله الجنّة إلّا ريّان). و ليس غربيا أن ينال الإنسان بكل ما ذكر جزاء من عند اللّه، إذا ما أمعن في محتوى السورة و تدبّر إشاراتها الموقظة للنفوس الغافلة، و المعرّفة بوظائف الإنسان في حياته، فمن لم يكتف بترديد ألفاظ السورة، و عمل بها بعد الإمعان و التدبر فحري أن يجزى بما وعد الحق. ما سبب مجيء "النازعات" و "الناشطات" بصيغة المؤنث؟ "النازعات" جمع (نازعة)، و هي الطائفة أو المجموعة من الملائكة التي تعمل على تنفيذ ما أمرت به، و كذا الحال بالنسبة ل "الناشطات" و بقية صيغ الجمع الاخرى ... و بما أنّ (الطائفة) مؤنث لفظي، فقد جاء الجمع بصيغة المؤنث السالم.
جاء في کتاب الاَمثال في القرآن للشيخ جعفر السبحاني: قوله تعالى "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذين آمنوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214) نزلت الآية عندما حوصر المسلمون واشتد الخوف والفزع بهم في غزوة الاَحزاب فجاءت الآية لتثبّت قلوبهم وتعدهم بالنصر. وقيل: إنّ عبد الله بن أُبي قال للمسلمين عند فشلهم في غزوة أحد: إلى متى تتعرضون للقتل، ولو كان محمّد نبياً لما واجهتم الاَسر والتقتيل؟، فنزلت الآية. وقوله تعالى "وَكانَ الاِنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً" (الكهف 54) أي أكثر شىء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة. قوله تعالى "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغَاوِين" (الاعراف 175) السلخ أي النزع.
https://telegram.me/buratha