الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة تنازع ومشتقاتها في القرآن الكريم: وَتَنزِعُ، وَتَنَازَعْتُمْ، تَنَازَعْتُمْ، يَنزِعُ، وَنَزَعْنَا، وَنَزَعَ، وَلَتَنَازَعْتُمْ، تَنَازَعُوا، نَزَعْنَاهَا، يَتَنَازَعُونَ، لَنَنزِعَنَّ، فَتَنَازَعُوا، يُنَازِعُنَّكَ، تَنزِعُ، نَزَّاعَةً، وَالنَّازِعَاتِ. جاء في معاني القرآن الكريم: نزع نزع الشيء: جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده، ويستعمل ذلك في الأعراض، ومنه: نزع العداوة والمحبة من القلب. قال تعالى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل" (الاعراف 43). وانتزعت آية من القرآن في كذا، ونزع فلان كذا، أي: سلب. قال تعالى: "تنزع الملك ممن تشاء" (ال عمران 26)، وقوله: "والنازعات غرقا" (النازعات 1) قيل: هي الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح، وقوله: "إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر" (القمر 19) وقوله: "تنزع الناس" (القمر 20) قيل: تقلع الناس من مقرهم لشدة هبوبها. وقيل: تنزع أرواحهم من أبدانهم، والتنازع والمنازعة: المجاذبة، ويعبر بهما عن المخاصمة والمجادلة، قال: "فإن تنازعتم في شيء فردوه" (النساء 59)، "فتنازعوا أمرهم بينهم" (طه 62)، والنزع عن الشيء: الكف عنه. النزوع: الاشتياق الشديد، وذلك هو المعبر عنه بإمحال النفس مع الحبيب، ونازعتني نفسي إلى كذا، وأنزع القوم: نزعت إبلهم إلى مواطنهم. أي: حنت، ورجل أنزع (القاموس: نزع) : زال عنه شعر رأسه كأنه نزع عنه ففارق، والنزعة: الموضع من رأس الأنزع، ويقال: امرأة زعراء، ولا يقال نزعاء، وبئر نزوع: قريبة القعر ينزع منها باليد، وشراب طيب المنزعة. أي: المقطع إذا شرب كما قال تعالى: "ختامه مسك" (المطففين 26).
قوله تعالى "وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الانفال 46) أي ولا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم حتى يورث ذلكم ضعف إرادتكم وذهاب عزتكم ودولتكم أو غلبتكم فإن اختلاف الآراء يخل بالوحدة ويوهن القوة القرآن الكريم يذكر ثلاث صفات تكفي إحداها للهزيمة: الفشل والتنازع والعصيان،. في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: إنّ الصوم ليس من الطعام و الشراب وحده، إن مريم قالت: إنّي نذرت للرحمن صوما، أي صمتا، فاحفظوا ألسنتكم، و غضوا أبصاركم، و لا تحاسدوا و لا تنازعوا.
جاء في موقع مكتبة حقوق الانسان بجامعة منيسوتا عن البيان العالمي عن حقوق الانسان في الاسلام: حق العدالة: (أ) من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يحاكم إليها دون سواها: "فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول" (النساء 59)، "وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم" (المائدة 49). (ب) من حق الفرد أن يدفع عن نفسه ما يلحقه من ظلم: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" (النساء 148) ومن واجبه أن يدفع الظلم عن غيره بما يملك كما جاء في الحديث: (لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما: إن كان ظالما فلينهه وإن كان مظلوما فلينصره). ومن حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه، وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم، وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة، ويوفر لها الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها (ج) من حق الفرد ومن واجبه أن يدافع عن حق أي فرد آخر، وعن حق الجماعة كما جاء في الحديث (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها). (د) لا تجوز مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحت أي مسوغ كما جاء في الحديث (إن لصاحب الحق مقالا)، (إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء). (هـ) ليس لأحد أن يلزم مسلما بأن يطيع أمرا يخالف الشريعة، وعلى الفرد المسلم أن يقول: لا في وجه من يأمره بمعصية، أيا كان الأمر كما جاء في الحديث (إذا أمر بمعصية لا سمع ولا طاعة) . ومن حقه على الجماعة أن تحمي رفضه تضامنا مع الحق كما جاء في الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).
جاء في كتابات في الميزان للسيد فاضل حاتم الموسوي عن حتــى لا تـكـن فـتـنــة: أن مبادئ الإسلام الحقيقية وحضارته العظيمة تؤكد على استيعاب الآخر والتعايش معه بشكل سلمي يتسم بروح التسامح ونبذ العصبية , ومما نحتاجه اليوم بشكل ماس وضروري هو توحيد الجهود ضد خطر المشروع الصهيوني في المنطقة والوقوف الواعي بوجه إثارة الفتن بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أو داخل أتباع المذهب الواحد , وعدم الانشغال بالنزاعات الجانبية. ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: (فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها). فهذه السموم التي شوهت روح الإسلام وسماحته تبث الى عقولنا وعقول أولادنا عن طريق قناة فضائية مأجورة أو صفحة في الفيس بوك أو منبر صُنع لإشعال الفتن تحت بريق كلمات منمقة تحمل شعارات دينية. إن إيماننا بأهدافنا السامية يستدعي منا أن لا نستغرق كثيراً في لوم الآخرين ومعاتبتهم لأنه يعيق محاولات النهضة بالمشروع الإسلامي ويختلق معارك داخلية يستفيد منها الأعداء , فمضاعفة الجهود التواصلية والاجتماعية خطوة مهمة لتقليص الانفعالات والتشنجات وتبعث في النفس شعوراً بالتسامي الخُلقي والحرص على توحيد الكلمة , قال تعالى : "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (الأنفال 46) وقال تعالى: "وان هذه أمتكم امة واحده وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون 52). ومن أسوء الأمراض الفتاكة في المجتمع هو الهيمنة الفكرية حيث يسعى البعض الى فرض رأيه ومعتقده بالقوة على الآخرين لأنه يعتقد انه الحق المطلق الذي لا ينبغي الخروج عنه. وفي الحقيقة أن هذا المرض يستهدف هوية الأمة وقتل الحراك الفكري فيها وانتشار ظاهرة الركود والجمود المعرفي. .
https://telegram.me/buratha