الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب بن عباس للسيد الخرسان (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب موسوعة عبد الله بن عبّاس للسيد محمد مهدي الخرسان: كانت مهمة الباحث المحايد. ولنسميه بالموضوعي النزيه. صعبة جداً، حيث عليه أن يكون حذراً ويقظاً، مستعملاً عقله وفطنته ليستشفّ ما وراء النص، ويتبيّن وجه الحق فيأخذ به، ويُصدر أحكامه على ضوئه، ولا ينساق وراء العواطف، ولا يخدع ببهرجة العناوين والألقاب. فالناس في الخلق سواسية كأسنان المشط، فمنهم المحسن ومنهم المسيء. ولكلٍ أجر ما أكتسب "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" (الانعام 164)، و "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر 38). ومن هنا تعالت صيحات إعادة كتابة التاريخ من جديد، ولا شك كان من بينها أصوات مخلصة وجادة في دعوتها إلى مراجعة التاريخ الإسلامي على ضوء الكتاب والسنّة ، فلا يدان بريءٌ، ولا يُبرّأ مذنب، ولا يجامل الرجال على حساب الشرع. فلا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 13) وهذا ما يستدعي رفع الحواجز بين الحاكم والمحكوم في تقويم الأعمال، كما يستدعي رسم الصورة لكل منهما دون تزويق أو تمزيق، وفوق مسار الشبهات التي تحجب العقل عن النظرة الموضوعية.

يقول السيد محمد مهدي الخرسان رحمه الله عن مفهوم العرب في كتابه: لكي نكون منصفين أيضاً أن نفرق بين عرب وعرب. لما أصاب عرب كل أرض من أرض العرب من أثر تركه الأجانب فيهم والامتزاج والاندماج يؤثران بالطبع في أخلاق أهل المنطقة التي وقعا فيها. وقد أشار إلى وجوب التفريق من اللغويين الأزهري، وذهب إلى مذهبه ابن خلدون وهو من المؤرخين، فقال الأزهري في تهذيب اللغة ونقله عنه الزبيدي في تاج العروس فقال: (والذي لا يفرق بين العرب والأعراب، والعربي والأعرابي، ربما تحامل على العرب بما يتأوله في هذه الآية "الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" (التوبة 97) وهو لا يميّز بين العرب والأعراب، ولا يجوز أن يقول للمهاجرين والأنصار أعراب، إنما هم عرب، لأنهم استوطنوا القرى العربية، وسكنوا المدن، سواء منهم الناشيء بالبدو ثم استوطن القرى، والناشيء بمكة ثم هاجر إلى المدينة). ولست الآن في صدد الخوض عن العروبة وما لها وما عليها ، بل كفانا ذلك القرآن الحكيم الذي دعا أولاً الناس كافة بقوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، ثم خاطب المؤمنين بعد انتشار الإسلام بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، ولم يرد فيه أيّ نداء لأمة حسب هويّتها القومية. وإنّما الذي دعاني إلى تقديم ما ذكرت ما قد يجده القارئ من آيات أو أحاديث مدحاً أو ذماً للعرب، وهو يتخيّل أنّ ذلك لجميع العرب، ولم يفرق بين العرب والأعراب من جهة، كما أنه قد يُخدع بما يجده في مثل صحيح البخاري مثلاً حين يقرأ باب قصة زمزم وجهل العرب ثم لا يجد فيه إلّا الحديث التالي: أخرج البخاري في صحيحه كتاب المناقب (باب قصة زمزم وجهل العرب) فالعنوان إن دل على شيء إنما يدل على شعوبية بغيضة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" إلى قوله "قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" (الانعام 140)). فيتخيّل القارئ أنّ ذلك القول ـ إن صحت نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنه هو عن كل العرب وليس ذلك بصحيح. ونحو ذلك أيضاً ما يقرأ في سنن الدارمي ، بسنده عن هارون بن معاوية قال (كان الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار، ثلاثة لقدره والرابع يعبده ، ويربّي كلبه ويقتل ولده). فإنّ هذه الأقوال وأمثالها إن صحت فإنما هي عن الأعراب، لا العرب.

ويستطرد آية الله السيد محمد مهدي الخرسان عن مفهوم العرب: يقول المرحوم الدكتور جواد علي في كتابه (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام): (الحق اننا إذا أردنا البحث عن مورد يصوّر لنا أحوال الحياة الجاهلية، ويتحدث لنا عن تفكير أهل الحجاز عند ظهور الإسلام ، فلا بدّ لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم، ولا بدّ لنا من تقديمه على سائر المراجع الإسلامية، وهو فوقها بالطبع ، ولا أريد أن أدخله فيها، لأنّه كتاب مقدّس، لم ينزل كتاباً في التاريخ أو اللغة أو ما شاكل ذلك، ولكنه نزل كتاباً عربيّاً، لغته هي اللغة العربية التي كان يتكلم بها أهل الحجاز، وقد خاطب قوماً فوصف حالتهم، وتفكيرهم وعقائدهم، ونصحهم وذكّرهم بالأمم والشعوب العربية الخالية حيث قال الله تعالى "كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ" (هود 95)، و "وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ" (الحج 42)، و "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ" (الشعراء 141)، و "كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ" (الحاقة 4)، و "وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" (ق 14)، و "أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" (الدخان 37)، و "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ" (الفيل 1)، و "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ" (البروج 4))

وعن كنيته ولقبه يقول السيد الخرسان رحمه الله: عن اللقب فقد تطور في الاستعمال، فبعد أن كان مشعراً بالسوءة كما مر في قول الشاعر، وورد ذلك المعنى في القرآن الكريم حيث قال سبحانه "وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" (الحجرات 11)، لكنه تطوّر بعد ذلك، ففي تفسير الآية الكريمة المراد ما يكره من الأسماء والأوصاف لكن بتطور الاستعمال صار اللقب مشعراً برفعة المسمّى، ولعل في غلبة استعمال (اللقب) في المدح، واستعمال (النبز) في الذم ما يشير إلى ذلك التطور. ومهما يكن فإنّ الألقاب المستحسنة كانت ولا تزال تشعر عن مكانة الملقّبينَ ورفعتهم. فمن كناه: (ابن عباس) وهي التي أشتهر بها ، حتى طغت على باقي كناه والقابه، بل وحتى على أسمه، فكاد أن لا يعرف إلا بها، وقد اختصت به، فلا يعرف بها عند اطلاقها غيره حتى من أخوته على كثرتهم إلّا بقرينة حالية أو مقالية. قال ابن الأثير: (غلبت عليه بنوة أبيه ابن عباس دون باقي أخوته). فإن معنى الرباني هو المتأله العارف بالله تعالى كما عن الثعالبي والفيروزأبادي، وشديد التمسك بدين الله وطاعته، كما في الكشاف وغيره، أو هو الذي يربّي أمور الناس بتدبيره واصلاحه ، كما ذكره الطبرس، وقال ثعلب: إنّما قيل للفقهاء الربانيون، لأنهم يربّون العلم أي يقوّمونه كما قال الله تعالى "كُونُوا رَبَّانِيّ" (ال عمران 79).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك