الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: دواعي العبادة: العبادة فعل اختياري، فلا بد لها من باعث نفساني يبعث نحوها، وهو أحد امور: 1 ـ أن يكون الداعي لعبادة الله هو طمع الانسان في إنعامه ، وبما يجزيه عليها من الاجر والثواب. 2 ـ أن يكون الداعي للعبادة هو الخوف من العقاب على المخالفة "إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (يونس 15). 3 ـ أن يعبد الله بما أنه أهل لان يعبد، فإن الكامل بالذات والجامع لصفات الجمال والجلال. وهذا القسم من العبادة لا يتحقق إلا ممن اندكت نفسيته فلم ير لذاته إنية إزاء خالقه، ليقصد بها خيرا، أو يحذر لها من عقوبة، وإنما ينظر إلى صانعه وموجده ولا يتوجه إلا إليه، وهذه مرتبة لا يسعنا التصديق ببلوغها لغير المعصومين عليهم السلام الذين أخلصوا لله أنفسهم فهم المخلصون الذين لا يستطيع الشيطان أن يقترب من أحدهم. القرآن والمعارف: صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أمي، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بنى ملا من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أميته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعا لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الاخير، وهذا من أعظم نواحي الاعجاز. ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى ، ولنفرض أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن أميا ، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد صلى الله عليه وآله وسلم بينهم ، منهم وثنيون يعتقدون بالاوهام، ويؤمنون بالخرافات، وذلك ظاهر. ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب العهدين التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الانبياء. وإذ فرضنا أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي، وتنزيهه لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملات كتب العهدين وغيرها من مصادر التعلم في ذلك العصر. وقد تعرض القرآن الكريم لصفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال، ونزهه عن لوازم النقص والحدوث كما في قوله سبحانه وتعالى "قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (يونس 34). نحن إذا سبرنا الايات القرآنية يظهر لنا ظهورا تاما لا يقبل التشكيك أن المشركين كانوا يقترحون إنزال العذاب عليهم، أو يقترحون آيات اخرى نزل العذاب على الامم السابقة بسبب تكذيبها كما في قوله تعالى "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ" (يونس 50)..
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ان حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين ومما قام عليه اجماع المسلمين فلا حاجة الى الاستدلال عليها. ثم ان تفصيل الكلام في احكام الرشوة، ان القاضي قد يأخذ الرشوة من شخص ليحكم له بالباطل مع العلم ببطلان الحكم، وقد يأخذها ليحكم للباذل مع جهله سواء طابق حكمه الواقع ام لم يطابق، وقد يأخذها ليحكم له بالحق مع العلم والهدى من الله تعالى. أما الصورتان الاوليان، فلا شبهة في حرمتهما، فان الحكم بالباطل والافتاء والقضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدين واجماع المسلمين، بل هما من الجرائم الموبقة والكبائر المهلكة، ويدل على حرمتهما ايضا العقل والكتاب والسنة. قوله تعالى: "ان الظن لا يغني من الحق شيئا" (يونس 37)، وقوله تعالى: "قل الله اذن لكم ام على الله تفترون" (يونس 60).
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: أنّ أهمية النكاح من سائر المعاملات غير قابلة للانكار كما صرّح به في جملة من الأخبار، فانّ قوام العالم به ولذا رغّب فيه الشارع وحذّر عن مقابله وهو الزنا، إلاّ أنّ الكلام في أنّ أهمية المسبّب يوجب التضييق في سببه أو التوسعة فيه ، فانّ المناسب للأمر المهم المرغوب فيه أن يوسّع في سببه ليسهل الوصول إليه لكل أحد، لا أن يجعل سببه ضيّقاً ، فانّه مناسب للأمر المكروه للشارع ، كالطلاق الذي هو مزيل للنكاح ولذا ضيّق في سببه من جهات، ألا ترى أنّ سبب النكاح لو خص باللفظ العربي الفصيح باللهجة العربية لما أمكن الوصول إليه لجملة من أهل القرى والبرّ، بخلاف ما إذا اكتفي بكل لغة. وعليه فالتوسعة في سبب النكاح لا يستلزم التوسعة في سبب البيع الذي ليس بتلك المرتبة من الأهمية، ولذا لم يرغّب فيه شرعاً، فالأولوية ممنوعة. والمصنف رحمه الله بما أنّه مسلّم للأولوية جعلها معارضة بالنص الوارد في الردّ على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه بالصحة في الثاني دون الأوّل، لأنّ المال له العوض بخلاف البضع ، قال عليه السلام في ردّهم (سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده، فانّ النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه لأنّه الفرج ومنه يكون الولد) فانّه (قدّس سرّه) زعم أنّ المراد بالاحتياط في النكاح هو الحكم بصحته دون البيع، فيمكن أن يصح النكاح في مورد دون البيع بعكس الأولوية، فصحّة البيع بدون إذن المالك تستلزم صحة النكاح بدون إذن الزوج دون العكس. نعم عليه إذا قام دليل على بطلان التزويج بدون إذن الزوج يدلّ بالأولوية على بطلان البيع بدون إذن المالك أيضاً ، فتنعكس الأولوية بمقتضى هذه الرواية. وفيه: ما لا يخفى، فانّ حكم العامّة بصحة البيع في مفروض الرواية لم يكن مبنيّاً على الاحتياط ، فانّ الاحتياط فيه من حيث الفتوى إنّما يقتضي التوقف عن الحكم بكل من الصحة والفساد، لأنّ كلا منهما مبني على وجوه استحسانية ، فهو من مصاديق قوله تعالى "قُلْ أَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ" (يونس 59). وأمّا من حيث العمل فالأمر دائر بين محذورين ، لأنّ كلا من الثمن والمثمن يدور أمره بين أن يكون ملكاً للمشتري أو ملكاً للبائع، فليس الحكم بأحد الطرفين موافقاً للاحتياط ، وإنّما الاحتياط يقتضي الصلح باقالة أو بيع جديد أو نحو ذلك ، كما أنّ الحكم في النكاح قوله قدّس سرّه: ربما يؤيّد صحة الفضولي بل يستدلّ عليها.
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: المشركون استبعدوا أن يكون الرسول الالهي فقيرا لا يملك شيئا. فطلبوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون ذا مال كثير. ويدلنا على ذلك أنهم قيدوا طلبهم بأن تكون الجنة والبيت من الزخرف للنبي دون غيره، ولو أرادوا صدور هذه الامور على وجه الاعجاز لم يكن لهذا التقييد وجه صحيح، بل ولا وجه لطلب الجنة أو البيت، فإنه يكفي إيجاد حبة من عنب أو مثقال من ذهب. وأما قولهم : حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا فلا يدل على أنهم يطلبون الينبوع لهم لا للنبي وإنما يدل على أنهم يطلبون منه فجر الينبوع لاجلهم، وبين المعنيين فرق واضح. ولم يظهر النبي لهم عجزه عن الاتيان بالمعجزة كما توهمه هؤلاء القائلون. وإنما أظهر بقوله : سبحان ربي أن الله تعالى منزه عن العجز ، وأنه قادر على كل أمر ممكن ، وأنه منزه عن الرؤية والمقابلة. وعن أن يحكم عليه بشئ من اقتراح المقترحين وأن النبي بشر محكوم بأمر الله تعالى ، والامر كله لله وحده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ومن الآيات التي استدل بها القائلون بنفي المعجزات للنبي عدا القرآن قوله تعالى: "وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ" (يونس 20). ووجه الاستدلال: أن المشركين طالبوا النبي بآية من ربه ، فلم يذكر لنفسه معجزة. وأجابهم بأن الغيب لله ، وهذا يدل على أنه لم يكن له معجزة غير ما أتى به من القرآن. الجواب: إن هؤلاء المشركين وغيرهم لم يطلبوا من النبي إقامة آية ما من الآيات التي تدل على صدق ، وإنما اقترحوا عليه إقامة آيات خاصة.
https://telegram.me/buratha