الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن الطوفان "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" ﴿الأعراف 133﴾، و "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" ﴿العنكبوت 14﴾. جاء في معاني القرآن الكريم: طوف الطوف: المشي حول الشيء، ومنه: الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال: طاف به يطوف. قال تعالى: "يطوف عليهم ولدان" (الواقعة 17)، قال: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" (البقرة 158)، ومنه استعير الطائف من الجن، والخيال، والحادثة وغيرها. قال: "إذا مسهم طائف من الشيطان" (الاعراف 201)، وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ: ﴿طيف﴾ (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر: الإتحاف ص 234) وهو خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال: طيف. قال تعالى: "فطاف عليها طائف" (القلم 19)، تعريضا بما نالهم من النائبة، وقوله: "أن طهرا بيتي للطائفين" (البقرة 125)، أي: لقصاده الذين يطوفون به، و الطوافون في قوله: "طوافون عليكم بعضكم على بعض" (النور 58) عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرة: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) (الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قال كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليس بنجس، إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات.
قال الله تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا" ﴿الإسراء 101﴾ تسع آيات هي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم أو الطمس ونقص الثمرات، و "وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" ﴿النمل 12﴾ تسع آيات: تسع معجزات، وهي مع اليد: العصا، والسنون، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، و "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" ﴿النمل 48﴾ تسعة رهط: تسعة رجال من زعمائهم.
تجربة نوح عليه السلام الذي استمر به العمر قروناً متمادية ينذر قومه، ولكن كانت النتيجة هي عذاب الطوفان الذي أصابهم كما يعبّر عن ذلك القرآن الكريم "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" (العنكبوت 14). وفي آيات من سورة العنكبوت والصافات والتحريم "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)" (العنكبوت 14-15)، و "وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)" (الصافات 75-82)، و "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" (التحريم 10) استمر نوح عليه السلام يدعو قومه برسالة رب العالمين لمدة ألف سنة الا خمسين عاما، ولكنهم رفضوا رسالته فأغرقهم بعد ان انجاه الله تعالى ومن في السفينة الذين منهم ذريته، بعد طلب نوح عليه السلام من ربه النجاة، ليجعل ذلك آية وبرهان على قدرة الله، و ليجزي الجزاء الحسن لكل مؤمن برسالته، وهلاك واغراق كل ظالم. ومن الظالمين زوجة نبي الله نوح التي خانته كونها لم تؤمن بالرسالة وتعاونت مع أعدائه الظالمين، فلم تغني كونها زوجة نبي الا ان تكون من الهالكين الداخلين الى النار. ذرية نوح عليه السلام هم الذين بقوا بعد الطوفان "وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين" (الصافات 77). إن الله تعالى لما أمر نوحاً بأن يصنع الفلك تهيئاً وتحسباً لحدوث الطوفان ونزول العذاب، "وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" (المؤمنون 27). قام نوح بصنع الفلك.
قال الله عز وجل "وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا" (الزخرف 11) والذي نزل من السماء ماءً بقدر: أي بقدر حاجتكم إليه ولم ينزله طوفاناً، والذي نزل من السماء مطرًا بقدر، ليس طوفانًا مغرقًا ولا قاصرًا عن الحاجة. و قوله سبحانه "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" ﴿الأعراف 133﴾ مجرمين صفة، قوما مجرمين: قومًا يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمردًا، فأرسلنا عليهم سيلا جارفًا أغرق الزروع والثمار، وأرسلنا الجراد، فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم، وأرسلنا القُمَّل الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات، وأرسلنا الضفادع فملأت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم، وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنهارهم وآبارهم دمًا، ولم يجدوا ماء صالحًا للشرب، هذه آيات من آيات الله لا يقدر عليها غيره، مفرقات بعضها عن بعض، ومع كل هذا ترفَّع قوم فرعون، فاستكبروا عن الإيمان بالله، وكانوا قومًا يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمردًا. الطوفان على ما قاله الراغب كل حادثة تحيط بالإنسان، وصار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة، وفي المجمع: أنه السيل الذي يعم بتغريقه الأرض وهو مأخوذ من الطوف فيها. وقوله عز من قائل "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" ﴿الأنعام 65﴾ قل أيها الرسول: الله عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرَّجْم أو الطوفان، وما أشبه ذلك، أو من تحت أرجلكم كالزلازل والخسف، أو يخلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا متناحرة يقتل بعضكم بعضًا.
كما هو ظاهر القرآن ينبىء أن الطوفان شامل للكرة الأرضية آنذاك، فأراد الله إستمرارية الحياة للكائنات ومسيرة الحضارة في الحياة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت الحياة باقية في جزء من الأرض، كما هي فانية في جزء آخر، لهذا فذهب بأن الطوفان كان عالمياً، وصدر الأمر الالهي الصّارم "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)" (القمر 11-12). ودعاء نوح يوحي بهذا بل يصرح بعموم الطوفان "رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا" (نوح 26).
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه "فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ، وَالْجَرادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ" (الاعراف 133) أى: وأغرقنا بالطوفان أولئك الذين كذبوا بآياتنا من قوم نوح لأنهم كانوا قوما عمى البصائر عن الحق والإيمان لا تنفع فيهم المواعظ ولم يجد معهم التذكير. وهذه سنة الله في خلقه أن جعل حسن العاقبة للمؤمنين، وسوء العذاب للجاحدين. فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان. قال الألوسي: أي: ما طاف بهم، وغشى أماكنهم و حروثهم من مطر وسيل، فهو اسم جنس من الطواف. وقد اشتهر في طوفان الماء، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به. وقوله سبحانه "فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ" (العنكبوت 14) بيان لسوء عاقبة المكذبين لنوح عليه السلام- بعد أن مكث فيهم تلك المدة الطويلة. والطوفان: قد يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام، وقد غلب إطلاقه على طوفان الماء، وهو المراد هنا.
https://telegram.me/buratha