الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب العروة الوثقى للمرجع السيد محسن الحكيم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

وعن الحجية في التقليد يقول المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم قدس سره في كتابه مستمسك العروة الوثقى: وأما ما دل على وجوب العلم والمعرفة من الآيات، والروايات، فلا يقتضي ذلك، لأن دليل حجية الرأي لو تمَّ يوجب حصول المعرفة بها تعبداً تنزيلا. ولا يتوجه الاشكال المتقدم هنا، لأن المعرفة فيما عدا الأصلين الأولين ليست شرطا في الحجية، وانما الشرط المعرفة بهما لا غير والمفروض حصولها، فإذاً العمدة في عدم جواز التقليد هو الإجماع. فإن قلت: تكفي في عدم جواز التقليد أصالة عدم الحجية. (قلت): لا مجال للأصل المذكور مع الدليل، وهو ما دل على حجية الرأي في الفروع كبناء العقلاء، وقوله تعالى "فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ" (النحل 43) وقوله تعالى "فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ" (التوبة 122) ونحوهما من أدلة التقليد في‌ الفروع، فإنها لو تمت دلالتها على جوازه في الفروع دلت على جوازه في الأصول بنحو واحد، فليس الموجب للخروج عن عموم الأدلة إلا الإجماع المستفيض النقل. وتمام الكلام في هذا المقام موكول الى محله، كالكلام في وجوب كون المعرفة عن النظر والدليل كما هو المنسوب الى جمع وعدم وجوبه كما نسب الى آخرين وحرمته كما نسب الى غيرهم وان كان الأظهر الأول مع خوف الضلال بدون النظر، والأخير مع خوف الضلال به، والثاني مع الأمن من الضلال على تقدير كل من النظر وعدمه فراجع وتأمل.

وعن طهارة الماء يقول الامام السيد محسن الطباطبائي الحكيم في كتابه: إجماعا مستفيض النقل، بل وضوحه أغنى عن الاستدلال عليه بالآيات الشريفة مثل قوله تعالى "وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً" (الفرقان 48) بناء على أن المراد من لفظ الطهور فيها إما المطهر بناء على أنه أحد معانيه ـ كما عن بعض ـ فيدل على طهارته في نفسه بالالتزام، أو الطاهر المطهر ـ كما عن جمع أنه أحد معانيه ـ أو ما يتطهر به كالسحور والفطور ـ كما هو أحد معانيه قطعا ـ فيدل أيضاً بالالتزام على طهارته في نفسه. هذا ولكن من المحتمل إرادة المبالغة منه، فان (فعول) أيضاً من صيغ المبالغة كالصبور والحسود، فإن الطهارة ذات مراتب متفاوتة، ولذا صح التفضيل فيها بلفظ: (أطهر) ومع هذا الاحتمال يشكل الاستدلال. وأشكل منه الاستدلال به على المطهرية لغيره حتى بناء على حمل الهيئة على المبالغة بدعوى: أن المبالغة لا معنى لها إلا بلحاظ المطهرية لغيره. إذ فيه مضافاً إلى ما عرفت: أن هذا المعنى من المبالغة مجاز لا يجوز ارتكابه في الاستدلال. وإن كان الأقرب الحمل على المعنى الثالث، لعدم ثبوت المعنيين الأولين، ولكونه أقرب من الحمل على المبالغة، لخفاء وجهها. وأما قوله تعالى "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" (الانفال 11) فدلالته على المطلوب سالمة عن الاشكال المتقدم، وإن كانت لا عموم فيها لوروده في واقعة خاصة، إلا أن يتمسك بالإجماع على عدم الفرق، كالإجماع على عدم الفرق بين ماء السماء وغيره. ثمَّ إنه لا تخلو النصوص الشريفة من الدلالة على طهارته ومطهريته، ففي رواية السكوني عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (الماء يطهر ولا يطهر). وفي صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السّلام: (كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض، وجعل لكم الماء طهوراً)، وفي غيرهما: أنه تعالى جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً. ومورد الأخير الحدث، كما أن مورد ما قبله الخبث، بل هو ظاهر رواية السكوني‌ بقرينة المقابلة بالنفي. كما أنه لا عموم في الجميع بالإضافة إلى ما يتطهر به فلا بد من تتميم الدلالة بالإجماع المحقق في الجملة. الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر، لكنه غير مطهر، لا من الحدث ولا من الخبث. كما هو المشهور، ويقتضيه الكتاب المجيد، مثل قوله تعالى "فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً" (النساء 43) (المائدة 6). والسنة التي هي بمضمونه وبغير مضمونه كما ستأتي في محلها إن شاء الله. وعن الصدوق: جواز‌ الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد، لخبر يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: (قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة. قال عليه السّلام: لا بأس بذلك). لكن عن الشيخ أنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. انتهى. وكفى بهذا موهنا له ومانعاً عن الاعتماد عليه. وعن الحسن جواز استعمال مطلق المضاف عند عدم الماء. ولم يظهر له مستند.

وعن حكم الماء الراكد يقول السيد محسن الحكيم قدس سره: خبر محمد بن ميسر: (عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء يغرف به، ويداه قذرتان. قال عليه السّلام: يضع يده ويتوضأ ثمَّ يغتسل. هذا مما قال الله‌ عز وجل "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78)) فغير ظاهر في القليل بمعنى ما لم يكن كراً، بل من الجائز أن يكون المراد منه ما لا يمكن الاغتسال بنحو الارتماس فيه. ولا سيما بملاحظة الاستدلال بآية نفي الحرج فان اقتضاءه لاعتصام ما دون الكر خفي، بخلاف اقتضائه اعتصام مراتب الكر، فان لزوم الحرج من عدم اعتصامها ظاهر، كما لا يخفى مع أن ذكر الوضوء مع الغسل خلاف المذهب. ظاهر جملة من النصوص‌ كصحيح شهاب عن أبي عبد الله عليه السّلام: (في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في‌ الإناء قبل أن يغسلها أنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء) وقوية أبي بصير عنه عليه السّلام: (سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال عليه السّلام: إن كانت يده قذرة فأهرقه وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه. هذا مما قال الله تعالى "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78). ونحوهما حسنة زرارة‌، وموثقة سماعة وخبر علي بن جعفر عليه السّلام. وفي صحيح البزنطي: (سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة. قال عليه السّلام: يكفئ الإناء) نعم قد يعارضها موثق أبي بصير المتقدم في أخبار الانفعال، فان صدره وان كان موافقا لما سبق، إلا أن التقييد في ذيله بقوله عليه السّلام: (وفيها شي‌ء من ذلك) يقتضي اشتراط الانفعال بملاقاة عين النجاسة. وكذا خبر ابن جعفر المتقدم في أخبار الاعتصام. لكن لا يبعد أن يكون المراد من الأول: (وقد كان فيها) ولو بقرينة ظهور كون الذيل تصريحاً بمفهوم الشرط السابق في الصدر، أو بقرينة ظهور الإجماع على الانفعال بالمتنجس وأما الثاني فلو لم يدل على النجاسة لم يدل على الطهارة أيضاً، إذ التفصيل لا يقول به أحد كما عرفت. يستدل على المشهور أيضاً‌ برواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السّلام: (إذا كان الماء في الركي كراً لم ينجسه شي‌ء. قلت: وكم الكر؟ قال عليه السّلام: ثلاثة أشبار ونصف عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها) بناء على ما تقدم في تقريب الأول من الاكتفاء بذكر أحد البعدين عن ذكر الآخر، الذي عرفت ما فيه من أنه خلاف الظاهر. أو لأن الطول إما مساو أو أكثر، والمتيقن الأول. وفيه: أن هذا لا يقتضي الظهور في الأقل. مع أن الطول لا يكون مساويا للعرض، واستعماله فيه مبني على المسامحة، فالعرض في الرواية الشريفة بمعنى السعة، نظير قوله تعالى "وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ" (الحديد 21) وقد عرفت أن إطلاق كون سعة السطح ثلاثة ونصفا منزل على المدور، ولا سيما في الرواية التي موردها الركية التي هي غالبا من المدور، كما قيل، وان كان لا يخلو من تأمل.

وعن بينة الحرام يقول الامام السيد الحكيم قدس سره: قوله تعالى "يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ" (التوبة 61) إذ المراد منه الإيمان الصوري. وان كان آية النبإ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6)، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها، وهو محل الاشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها. وان كان ما ورد في جواز شهادة العبد، والمكاتب، والصبي، بعد البلوغ، والاعمى، والأصم ونحوهم. ففيه: أنه لا إطلاق له من حيث المورد، ولا تعرض فيه لاعتبار العدد والعدالة. وان كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه: أن بين خبر الثقة وبين البينة عموما من وجه. وان كان الاستقراء. فثبوته وحجيته معا ممنوعان. وان كان‌ رواية مسعدة بن صدقة: (كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة). فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الإشارة، وكونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن مورداً للحل والحرمة من موضوعات سائر الأحكام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك