الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب العروة الوثقى للمرجع السيد محسن الحكيم (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب مستمسك العروة الوثقى للمرجع السيد محسن الحكيم: وعن الماء النجس: يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة، ويجوز سقيه للحيوانات، بل وللأطفال أيضا ويجوز بيعه. نعم في حال الضرورة يجوز شربه بلا إشكال، لأدلة نفي الضرر‌ والحرج وغيرها. مثل قوله تعالى "يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة 185) وقوله تعالى: "ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ" (المائدة 6). وقوله تعالى "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78). وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام ( الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5). إذا كان له منفعة معتد بها، لعموم دليل صحة البيع، ووجوب الوفاء بالعقود. مثل قوله تعالى "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" (البقرة 275) وقوله تعالى "إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ" (النساء 29). مثل قوله تعالى "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1). وعن الماء المستعمل: لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر. كما نص عليه جماعة. وعن ظاهر المنتهى جريان الخلاف فيها. ولكنه غير واضح، للنصوص للكثيرة النافية للبأس فيه، مثل‌ صحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه السّلام: (في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء. فقال عليه السّلام: لا بأس، "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78)) ونحوه غيره‌ والظاهر منه السؤال عن جواز الاغتسال مما في الإناء لا خصوص الطهارة. ولا سيما مع وضوح طهارة ماء الغسل، ومع عدم التنبيه على عدم جواز الاغتسال به مع كون الغالب في التقاطر كونه في أول الأمر. ومن ذلك يظهر ضعف المناقشة في دلالة النصوص، من جهة احتمال كون الجهة المسؤول عنها الطهارة. نعم لا يبعد هذا الاحتمال في بعض نصوص الباب، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة في ماء الغسالة‌.

وعن فصل النجاسات يقول الامام الحكيم قدس سره: إن الحرمة الناشئة من الخصوصية الذاتية لما لم تكن في رتبة الحرمة الناشئة من الجهة العرضية أعني عدم التذكية لترتب‌ موضوعيهما امتنع أن تكون إحداهما مؤكدة للأخرى، ولا وجود إحداهما بقاء للأخرى، لأن البقاء عين الحدوث وجوداً، فلا يكون بينهما اختلاف رتبة. وحينئذ فالمعلوم وجودها حال الحياة الحرمة التي موضوعها اللامذكى وهي زائلة قطعاً بعد التذكية والمحتمل وجودها بعد التذكية هي الحرمة الثابتة للذات نفسها، وهو وجود آخر يحتمل مقارنته لوجود الحرمة الزائلة وبقاؤه بعد زوالها. فيكون الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، الذي ليس بحجة على التحقيق. هذا وهذا التقريب يبتني على كون وصف اللامذكى مأخوذاً في موضوع الحرمة على نحو الجهة التقييدية عرفا، ووصف التغير في مسألة نجاسة المتغير مأخوذاً في موضوع النجاسة على نحو الجهة التعليلية عرفا. ولكنه غير واضح فالبناء على عدم جريان الاستصحاب لأجله غير ظاهر. نعم لا بأس بالرجوع في إثبات الحل إلى عمومات الحل، مثل قوله تعالى "قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً" (الانعام 145) وقوله تعالى "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ" (المائدة 5) وقوله تعالى "يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ" (المائدة 4) ونحوها، الحاكم على الاستصحاب لو سلم جريانه. واستصحاب حكم المخصص في مثله غير جار، لكون التخصيص من أول الأمر، كما لا يخفى. أن الأصل قابلية كل حيوان للتذكية، بل في الحدائق (لا خلاف بين الأصحاب رضي الله عنهم فيما أعلم أن ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليه الذكاة). وقد استدلوا على ذلك بالآيات والنصوص المتضمنة لحلية ما أمسك الكلاب‌ "يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ" (المائدة 4)، وما ذكر اسم الله تعالى عليه ولحلية ما يصطاد بالسيف أو الرمح أو نحوهما وبما دل على حلية كل حيوان إلا ما خرج‌ "فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ" (الانعام 118)، و "وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ" (الانعام 121). مثل قوله تعالى "قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً" (الانعام 145) وما‌ في موثق ابن بكير من قوله عليه السّلام: (ذكاه الذابح أو لم يذكه). نعم يمكن أن يقال: إن الذكاة من المفاهيم العرفية، وهي في الحيوان من الأفعال التوليدية التي لها أسباب خاصة عندهم، فإطلاق أدلة أحكام التذكية من الطهارة وحل الأكل وجواز الانتفاع وغيرها ينزل ـ بمقتضى الإطلاق المقامي ـ على ما هو عند العرف. فاذا دل دليل على قيد أخذ به، ومع الشك فيه يرجع الى ما عند العرف، عملا بالإطلاق المقامي، وعلى هذا ما يكون قابلا عند العرف للتذكية محكوم بذلك شرعاً، وما علم بعدم قابليته لها عندهم، أو شك فيها، يرجع فيه الى أصالة عدم التذكية. وهذا نظير ما يقال في مثل "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) ونحوه من أدلة العقود والإيقاعات، من وجوب الحمل على المفاهيم العرفية وأسبابها وشرائطها ـ ومنها قابلية المحل ـ فيكون تطبيق العرف حجة ما لم يرد عنه رادع.

وعن الميتة يقول المرجع الأعلى الامام محسن الحكيم: المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي. الميتة (تارة): تستعمل صفة من الموت المقابل للحياة (وأخرى): بمعنى ما مات حتف أنفه في مقابل المقتول بالأسباب الموجبة للتذكية وغيرها كما في قوله تعالى "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ" (المائدة 3). وقوله‌ تعالى "أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ" (ال عمران 144) (وثالثة): بمعنى ما لم يذك ذكاة شرعية، كما ذكر شيخنا الأعظم رضي الله عنه وغيره مستشهداً عليه بجملة من النصوص، كموثق سماعة: (إذا رميت وسميت فانتفع بجلده. وأما الميتة فلا). وما‌ في رواية علي بن أبي حمزة (قال عليه السّلام: وما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة، فقال عليه السّلام: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه). وما‌ في رواية الصيقل: (إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة‌ (إلى أن قال): فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية) إلى غير ذلك. وبهذا المعنى صارت موضوعا للنجاسة والحرمة وسائر الاحكام ولا يهم تحقيق ذلك، فان ما ليس بمذكى بحكم الميتة شرعا، إجماعا ونصوصاً سواء أكان من معاني الميتة أم لا.

وعن هجر الرجس يقول السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره في كتابه: أما الهجر فلم يثبت على نحو يقدح في جواز العمل بها، لجواز أن يكون لبنائهم على قاعدة عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة التي استفادوها من ظاهر بعض الآيات مثل قوله تعالى "وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" (المدثر 5) وقوله تعالى "رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ" (المائدة 90) وقوله تعالى "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ" (المائدة 3) وبعض الروايات مثل ما في رواية تحف العقول، من تعليل حرمة بيع وجوه النجس، بحرمة الأكل والشرب والإمساك وجميع التقلبات. لكن دلالتها على ذلك لا تخلو من إشكال ـ كما أوضح ذلك شيخنا الأعظم رضي الله عنه في مكاسبه فلم يثبت الهجر الموجب للخروج عن الحجية. وعليه لو سلمت الدلالة لأمكن الخروج عنها بالنصوص المذكورة، إذ يجوز تخصيص العام ولو كان من الكتاب بالخاص ولو كان من السنة. وأما الإجماع المدعى على القاعدة فهو وان حكي عن جماعة من الأكابر لا مجال للاعتماد عليه، بعد مخالفة جملة من أعيان المتأخرين فيها. مع تأتي المناقشة في كون مراد بعض الحاكين له ذلك. فراجع كلمات شيخنا الأعظم قدس سره.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك