الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن نصر الله "وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿الصف 13﴾ نصر اسم، إن فعلتم أيها المؤمنون ما أمركم الله به يستر عليكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ومساكن طاهرة زكية في جنات إقامة دائمة لا تنقطع، ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده. ونعمة أخرى لكم أيها المؤمنون تحبونها هي نصر من الله يأتيكم، وفتح عاجل يتم على أيديكم. وبشِّر المؤمنين أيها النبي بالنصر والفتح في الدنيا، والجنة في الآخرة، و "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" ﴿البقرة 214﴾ بل أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة، ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب، وزُلزلوا بأنواع المخاوف، حتى قال رسولهم والمؤمنون معه على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.
قوله تعالى: "وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (الصف 13) جاء في كتب التفسير: "وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا" معناه: لكم خصلة أخرى مع ثواب الآخرة، و "نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ" (الصف 13) في الدنيا عليهم، و "فَتْحٌ قَرِيبٌ" (الصف 13) لبلادهم، ثم قال: و "بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (الصف 13) بالنعيم والنصر والفتح، وفي تفسير القمي: يعني في الدنيا بفتح القائم عجل الله تعالى فرجه. وقال أيضاً بفتح مكة. تفسير علي بن إبراهيم: "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب" (الصف 13) يعني في الدنيا بفتح القائم عليه السلام. عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: (من قرأ سورة الصف كان عيسى مُصلياً عليه مستغفراً له ما دام في الدنيا، وهو يوم القيامة رفيقه).يقول الدكتور محمد حسين الصغير في كتابه الصوت اللغوي في القرآن: وحينما نستمع إلى قوله تعالى "نصر من الله وفتح قريب" (الصف 13). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالى البهجة.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قال سبحانه "وأخرى تحبونها" (الصف 13) أي وتجارة أخرى أو خصلة أخرى تحبونها عاجلا مع ثواب الآجل وهذا من الله تعالى زيادة ترغيب إذ علم سبحانه أن فيهم من يحاول عاجل النصر إما رغبة في الدنيا وإما تأييدا للدين فوعدهم ذلك بأن قال "نصر من الله وفتح قريب" (الصف 13) أي تلك الخصلة أو تلك التجارة نصر من الله لكم على أعدائكم وفتح قريب لبلادهم يعني النصر على قريش وفتح مكة عن الكلبي وقيل يريد فتح فارس والروم وسائر فتوح الإسلام على العموم عن عطاء وقريب معناه قريب كونه وقيل قريب منكم يقرب الرجوع منه إلى أوطانكم "وبشر المؤمنين" أي بشرهم بهذين الثوابين عاجلا وآجلا على الجهاد وهو النصر في الدنيا والجنة في العقبي. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "وأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (الصف 13). المراد بالنصر والفتح القريب فتح مكة كما يتبادر إلى الأذهان. وكان الصحابة يتلهفون على هذا النصر لكثرة ما لا قوه من مشركي أهل مكة، فأمر سبحانه نبيه الكريم ان يبشرهم بهذا النصر وقربه بعد البشارة بالغفران والجنان.
عن کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ بالنظر إلى ما سبقه من قوله "وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ" (ال عمران 126) هو المقام الربوبي الذي ينتهي إليه كل أمر وحكم، ولا يكفي عنه ولا يستقل دونه شيء من الأسباب، فالمعنى: أن الملائكة الممدين ليس لهم من أمر النصر شيء بل هم أسباب ظاهرية يجلبون لكم البشرى وطمأنينة القلب،وإنما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغني عنه شيء، وهو الله الذي ينتهي إليه كل أمر،العزيز الذي لا يغلب، قوله تعالى: "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب" إلخ، عطف على قوله: "يغفر لكم" إلخ، و"أخرى" وصف قائم مقام الموصوف وهو خبر لمبتدء محذوف، وقوله: "نصر من الله وفتح قريب" بيان لأخرى، والتقدير ولكم نعمة أو خصلة أخرى تحبونها وهي نصر من الله وفتح قريب عاجل. وقوله: "وبشر المؤمنين" معطوف على الأمر المفهوم من سابق الكلام كأنه قيل: "قل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم" إلخ، وبشر المؤمنين. وتحاذي هذه البشرى ما في قوله: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ" (التوبة 111)، وبه يظهر أن الذي أمر أن يبشروا به مجموع ما يؤتيهم الله من الأجر في الآخرة والدنيا لا خصوص النصر والفتح. هذا كله ما يعطيه السياق في معنى الآية وإعراب أجزائها، وقد ذكر فيها أمور أخرى لا يساعد عليها السياق تلك المساعدة أغمضنا عن ذكرها، واحتمل أن يكون قوله: "وبشر" إلخ استئنافا.
https://telegram.me/buratha