الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة نصر ومشتقاتها "قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ" ﴿آل عمران 13﴾ بِنَصْرِهِ: بِ حرف جر، نَصْرِ اسم، هِ ضمير، قد كان لكم أيها اليهود المتكبرون المعاندون دلالة عظيمة في جماعتين تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله، وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجماعة أخرى كافرة بالله، تقاتل من أجل الباطل، ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين، وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين عليهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله، و "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ﴿آل عمران 123﴾ ولقد نصركم الله أيها المؤمنون بـ (بدر) على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم، فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، لعلكم تشكرون له نعمه، و "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ" ﴿آل عمران 81﴾ وَلَتَنصُرُنَّهُ: وَ حرف عطف، لَ لام التوكيد، تَنصُرُ فعل، نَّ لام التوكيد، هُۥ ضمير، واذكر أيها الرسول إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع الأنبياء: لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول من عندي، مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه. فهل أقررتم واعترفتم بذلك وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا: أقررنا بذلك، قال: فليشهدْ بعضكم على بعض، واشهدوا على أممكم بذلك، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم. وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك، و "وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴿الأنفال 62﴾ وإن أراد الذين عاهدوك المكر بك فإن الله سيكفيك خداعهم، إنه هو الذي أنزل عليك نصره وقوَّاك بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار، وجَمَع بين قلوبهم بعد التفرق، لو أنفقت مال الدنيا على جمع قلوبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولكن الله جمع بينها على الإيمان فأصبحوا إخوانًا متحابين، إنه عزيز في مُلْكه، حكيم في أمره وتدبيره، و "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا" ﴿التوبة 40﴾ يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإن لا تنصروه، فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده، "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" ﴿يوسف 110﴾ ولا تستعجل أيها الرسول النصر على مكذبيك، فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمها، حتى إذا يئس الرسل من قومهم، وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم، جاءهم نصرنا عند شدة الكرب، فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم، ولا يُرَدُّ عذابنا عمَّن أجرم وتجرَّأ على الله. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
عن أنس بن مالك قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حواري عيسى، فقال كانوا من صفوته وخيرته، وكانوا اثني عشر مجردين مكنسين في نصرة الله ورسوله لارهو فيهم ولا ضعف ولا شك، كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاد وجد وعناء، قلت فمن حواريك يا رسول الله ؟ فقال: الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة، هم حواريي وأنصار ديني، عليهم من الله التحية والسلام. روى الفخر الرازي عن امير المؤمنين علي عليه السّلام: (إن اللّه تعالى ما بعث آدم عليه السّلام ومَن بعده من الانبياء عليهم الصلاة والسّلام إلا أخذ عليهم العهد لئن بُعث محمّد وهو حي ليؤمننّ به ولينصرنه). عن شبكة المعارف الاسلامية لسماحة الشيخ اكرم بركات في مقالته ابو طالب مؤمن آل قريش: يقول تعالى: "وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا" (الانفال 74) كثير من الناس يدخلون بعد النصر أفواجاً، لكنّ القليل الذين ينصرون الحقّ في أوقات المحن والبلاء. من هؤلاء القليل القليل أحد أولياء شهر رمضان أبو طالب عمران بن عبد المطلب رضوان الله عليه الذي يجرّنا الحديث عنه إلى الحديث عن طهارة آباء النبيّ صلى الله عليه وآله قال تعالى: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" (الشعراء 218-219). عن أبي ذر الغفاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا فصّمتا،ورأيته بهاتين وإلا فعميتا،يقول: عليٌ قائد البرّرة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، فخذول من خذله، أما أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد ولم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء،وقال: اللهم إشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليٌ راكعاً فأومأ بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى آخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: إن الدين للنبي صلىاللهعليهوآله بمعنى أنه الداعي إليه والمبلغ له مثلا، أو إن الدين لله ولرسوله بمعنى التشريع والهداية فيدعى الناس إلى النصرة، أو يمدح المؤمنون بالنصرة كقوله تعالى " وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ " (الاعراف 157)، وقوله تعالى "وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ" (الحشر 8)، وقوله تعالى "َالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا" (الانفال 72)، إلى غير ذلك من الآيات. ويصح أن يقال : إن الدين للنبي صلىاللهعليهوآله وللمؤمنين جميعا، بمعنى أنهم المكلفون بشرائعه العاملون به فيذكر أن الله سبحانه وليهم وناصرهم كقوله تعالى "وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ" (الحج 40)، وقوله تعالى "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ" (غافر 51)، وقوله تعالى "وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (روم 47) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى "لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" (الانبياء 39) "لَوْ" للتمني و "حِينَ" مفعول يعلم على ما قيل وقوله "لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ" (الانبياء 39) أي لا يدفعونها حيث تأخذهم من قدامهم ومن خلفهم وفيه إشارة إلى إحاطتها بهم. وقوله "وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" (الانبياء 39) معطوف على ما تقدمه لرجوع معناه إلى الترديد بالمقابلة والمعنى لا يدفعون النار باستقلال من أنفسهم ولا بنصر من ينصرهم على دفعه. والآية في موضع الجواب لسؤالهم عن الموعد، والمعنى ليت الذين كفروا يعلمون الوقت الذي لا يدفعون النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم لا باستقلال من أنفسهم ولا هم ينصرون في دفعها. بعد الصبر ينصر الله انبيائه ويخذل اعدائه "قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ" (المؤمنون 26)، و "وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا" (الانبياء 77). قوله تعالى "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا" (يوسف 110) إلى آخر الآية ذكروا أن يأس واستيئس بمعنى، ولا يبعد أن يقال: إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال وهو مما يعد يأسا عرفا وليس باليأس القاطع حقيقة. وقوله "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ" (يوسف 110) متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة والمعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى وتلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس، وظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء وهم المؤمنون ولا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين.
جاء في موقع البلاغ عن شروط النصر في القرآن الكريم: قال الله تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (آل عمران 123). يسند القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة النصر إلى الله تعالى، يقول تعالى: "إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214)، مؤكّداً على المؤمنين ألا يستبعدوا نصر الله، ويقول تعالى: "وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" (آل عمران 126)، حتى لا يتوهّم أحد أنّه بقوته أو تضحياته أعطى المؤمنين نصراً، ويقول تعالى: "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ" (التوبة 25). مؤكداً أنّ هذا النصر ليس استثناءً نادراً وإنّما هو سنّة طبيعيةٌ، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، والتي من جملتها الآية التي تحدّثت عن النصر الإلهي في معركة بدر الكبرى، ولا يخفى أنّ إضافة النصر إلى الله تعالى تعني أنّ النصر يحتاج إلى مدد إلهيّ، فإنّ كلّ شيء في الوجود لا يمكن له أن يستغني عن العون والمدد والتوفيق الإلهي، وهي إمدادات غيبيّة ترتفع عن المسائل الحسيّة. فالإنسان المؤمن بحاجة إلى مثل تلك الألطاف الإلهيّة الخاصّة، والنصر من الله تعالى هو لُطف منه على عباده المؤمنين، وهو مدد غيبيّ لا يتحقّق إلّا بشروط أقرّها الله تعالى. شروط النصر الإلهي: وقد أورد القرآن الكريم جملة من الشرائط لاستنزال النصر من عند الله والتي من دونها لا يمكن أن تترتّب النتيجة الإلهية، وأهم هذه الشرائط: 1- الإيمان: يقول تعالى: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم 47). وهذا شرط واضح إذ لا يمكن أن نفهم المدد الإلهي على قوم فاسقين أو كفّار. 2- العمل والجهاد: قال تعالى: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمّد 7). فقوله: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ" في هذه الآية، يُفهم منه صريحاً أنّ إعطاء ومنح النصر مشروط بمن يعمل وينصر ويجاهد في سبيل الله، والآيات الكريمة في الحثّ على الجهاد كثيرة، فليس الأمر كما قال اليهود للنبيّ موسى عليه السلام حين أمرهم بالقتال لدخول الأرض المقدّسة: "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا" (المائدة 24). 3- الأمل والصدق: يقول تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). والملاحظ في الآية أنّ الله تعالى أراد للمؤمنين رغم ما بهم من ضيق وضرّ وبأساء أن يأملوا نصر الله فهو قريب، وهنا مسألة مهمّة وهي أنّ هؤلاء المؤمنين ليسوا في مقام الاعتراض وإلّا لقالوا (أين نصر الله)، ولكنّهم في مقام استعجال ما هو يقين عندهم، ولذلك قالوا: (متى نصر الله)، والجواب الإلهي بقرب النصر كاشف عن هذه الحقيقة. ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلَين، يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا ومرّة لعدوّنا منا، فلمّا رأى الله صدقنا أنزل لعدوّنا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقرّ الإسلام).
https://telegram.me/buratha