الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة ينصر ومشتقاتها "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ" ﴿التوبة 14﴾ يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم، ويذلهم بالهزيمة والخزي، وينصركم عليهم، ويُعْلِ كلمته، ويشف بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء المشركين، ويُذْهِب عن قلوب المؤمنين الغيظ. ومن تاب من هؤلاء المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق توبة التائب، حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده، "وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ" ﴿الأعراف 197﴾ والذين تدعون أنتم أيها المشركون مِن غير الله من الآلهة لا يستطيعون نصركم، ولا يقدرون على نصرة أنفسهم، و "إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" ﴿آل عمران 160﴾ إن يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم، وإن يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون، و "وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" ﴿هود 30﴾ ويا قوم مَن يمنعني من الله إن عاقبني على طردي المؤمنين؟ أفلا تتدبرون الأمور فتعلموا ما هو الأنفع لكم والأصلح؟ و "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ" ﴿هود 63﴾ قال صالح لقومه: يا قوم أخبروني إن كنت على برهان من الله وآتاني منه النبوة والحكمة، فمن الذي يدفع عني عقاب الله تعالى إن عصيته فلم أبلِّغ الرسالة وأنصحْ لكم؟ فما تزيدونني غير تضليل وإبعاد عن الخير، و "مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴿الشعراء 93﴾ وقيل لهم توبيخًا: أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها مِن دون الله، وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم؟ هل ينصرونكم، فيدفعون العذاب عنكم، أو ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ لا شيء من ذلك، و "يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" ﴿غافر 29﴾ يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في أرض "مصر " على رعيتكم من بني إسرائيل وغيرهم، فمَن يدفع عنا عذاب الله إن حلَّ بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبًا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحًا وصوابًا، وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب، و "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" ﴿غافر 51﴾ لَنَنصُرُ: لَ لام التوكيد، نَنصُرُ فعل، إنَّا لننصر رسلنا ومَن تبعهم من المؤمنين، ونؤيدهم على مَن آذاهم في حياتهم الدنيا، ويوم القيامة، يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذَّبت رسلها، فتشهد بأن الرسل قد بلَّغوا رسالات ربهم، وأن الأمم كذَّبتهم.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: هنا يطرح السؤال التالي، و هو: إن كانت مشيئة الباري عزّ و جلّ و إرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء و نصرة المؤمنين، فلم نشاهد استشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية، و انهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ، فلم هذه الاستثناءات؟ و نجيب على هذا السؤال بالقول: أوّلا: إنّ الإنتصار له معان واسعة، و لا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري و الجسماني على العدو، فأحيانا يعني انتصار المبدأ، و هذا هو أهمّ انتصار، فلو فرضنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قد استشهد في إحدى الغزوات، و شريعته عمّت العالم كلّه، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة. و هناك مثال أوضح و هو الحسين عليه السّلام و أصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء، و كان هدفهم العمل على فضح بني اميّة، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول، و كانوا في حقيقة الأمر يعملون و يسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية، و قد تحقّق هذا الهدف الكبير، و أدّى استشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اميّة و إنقاذ الإسلام من خطر السقوط و الضياع، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسين عليه السّلام و أصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء؟ المهمّ هنا أنّ الأنبياء و جنود اللّه- أي المؤمنون تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا و اتّبعهم أناس كثيرون، و ما زالوا يواصلون نشر مبادئهم و أفكارهم رغم الجهود المستمرّة و المنسّقة لأعداء الحقّ ضدّهم.هناك نوع آخر من الإنتصار، و هو الإنتصار المرحلي على العدو، و الذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع، فأحيانا يدخل جيل معركة ما و لا يحقّق فيها أي انتصار، فتأتي الأجيال من بعده و تواصل القتال فتنتصر، كالانتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين، و هذا النصر يحسب لجميع المسلمين. ثانيا: يجب أن لا ننسى أنّ وعد اللّه سبحانه و تعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط و ليس بمطلق، و أنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة، و كلمات (عبادنا) و (جندنا) التي وردت في آيات بحثنا، و غيرها من العبارات و الكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة "الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا " (العنكبوت 69) و "لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ" (الحج 40) و أمثالها، توضّح بسهولة شروط النصر. نحن لا نريد أن نكون مؤمنين و لا مجاهدين و لا جنودا مخلصين، و نريد أن ننتصر على أعداء الحقّ و العدالة و نحن على هذه الحالة نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى اللّه و لكن بأفكار شيطانية، ثمّ نعجب من انتصار الأعداء علينا، فهل و فينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من اللّه سبحانه و تعالى الوفاء بوعوده. في معركة احد وعد الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المسلمين بالنصر، و قد انتصروا فعلا في المرحلة الاولى من المعركة، إلّا أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول و تركهم لمواقعهم لهثا وراء الغنائم، و سعي البعض الآخر لبثّ الفرقة و النفاق في صفوف المقاتلين، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاولى، و هذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر.
جاء في موقع مع الله صفحة مقالات عن مفهوم النصر في القرآن الكريم: أسباب النصر: 1- الإيمان: قرن سبحانه وتعالى في مواضع من القرآن بين الإيمان والنصر، وأخبر سبحانه وتعالى أن من أسباب النصر التي مضت بها سنته الإيمان. قال الله تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ" (محمد 7) فالإيمان سبب حقيقي من أسباب النصر المعنوية. 2- طاعة الله ورسوله: أخبر سبحانه وتعالى أن من عوامل النصر طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم التي بها انتظام جيش المسلمين وجماعتهم. قال الله تعالى: "وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ" (الأنفال 46) 3- التأييد الإلهي: أخبر عز وجل أنصاره بأنه مؤيدهم على عدوهم. قال الله تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ" (الصف 14) وعلى قدر إيمان العبد يكون نصره وتأييده، والنصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد. 4- الصبر: أخبر سبحانه وتعالى أن معيته مع الصابرين في جهادهم لعدوه وعدوهم. قال الله تعالى: "قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ" (البقرة 249) "ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ" (الأنفال 66) 5- الدعاء: أخبر سبحانه وتعالى في سياق الحديث عن قصة طالوت وجالوت، أنه لما واجه أهل الإيمان وهم قليل من أصحاب طالوت عدوهم أصحاب جالوت هم عدد كثير دعوا الله أن يفرغ عليهم صبرًا، وأن يثبت أقدامهم في لقاء الأعداء، ويجنبهم الفرار، وأن ينصرهم على القوم الكافرين. قال الله تعالى: "وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ" (البقرة 250) فاستجاب لهم ربهم، فأفرغ عليهم صبره، وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين. قال الله تعالى: "فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ" (البقرة 251) وأخبر سبحانه وتعالى عن الربنيين أنهم دعوه بغفران الذنوب وتكفير السيئات والثبات عند ملاقاة العدو، وأن ينصرهم على القوم الكافرين. قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ. فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ" (آل عمران 147-148).
https://telegram.me/buratha