الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن العدو "وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿الأنعام 142﴾ عدو اسم، وأوجد من الأنعام ما هو مهيَّأ للحمل عليه لكبره وارتفاعه كالإبل، ومنها ما هو مهيَّأ لغير الحمل لصغره وقربه من الأرض كالبقر والغنم، كلوا مما أباحه الله لكم وأعطاكموه من هذه الأنعام، ولا تحرموا ما أحلَّ الله منها اتباعًا لطرق الشيطان، كما فعل المشركون. إن الشيطان لكم عدو ظاهر العداوة، و "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿الأعراف 22﴾ فجرَّأهما وغرَّهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما، وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة، فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما، وناداهما ربهما جل وعلا ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة، وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع، مستقبَحًا في العقول، و "قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ" ﴿الأعراف 24﴾ قال تعالى مخاطبًا آدم وحواء لإبليس: اهبطوا من السماء إلى الأرض، وسيكون بعضكم لبعض عدوًا، ولكم في الأرض مكان تستقرون فيه، وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم، و "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" ﴿الأنفال 60﴾ وَعَدُوَّكُمْ: وَ حرف عطف، عَدُوَّ اسم، كُمْ ضمير، وأعدُّوا يا معشر المسلمين لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة، لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم، وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة، وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا، و "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ" ﴿التوبة 114﴾ وما كان استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك، إلا عن موعدة وعدها إياه، وهي قوله: "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" (مريم 47). فلما تبيَّن لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير، وأنه سيموت كافرًا، تركه وترك الاستغفار له، وتبرأ منه. إن إبراهيم عليه السلام عظيم التضرع لله، كثير الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلات.
جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قيل في معني الموعدة الّتي كانت عليه في حسن الاستغفار قولان: أحدهما- ان الموعدة كانت من أبي إبراهيم لإبراهيم أنه يؤمن إن استغفر له فاستغفر له لذلك و طلب له الغفران بشرط أن يؤمن "فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ" (التوبة 114) بعد ذلك "أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ" (التوبة 114). و الثاني- أن الوعد کان من ابراهيم بالاستغفار ما دام يطمع في الايمان کما قال "إِلّا قَولَ إِبراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَستَغفِرَنَّ لَكَ وَ ما أَملِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ مِن شَيءٍ" (الممتحنة 4) فاستغفر له علي ما يصح و يجوز من شرائط الحكمة "فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ" (التوبة 114) و آيس من إيمانه "تَبَرَّأَ مِنهُ". و ألذي عندي و هو الأقوي أن أباه أظهر له الايمان و صار اليه، و کان وعده أن يستغفر له إن آمن فلما أظهر الايمان استغفر له، فأعلمه اللّه ان ما ظهر منه بخلاف ما يبطنه "فتبرأ منه" و يقوي ذلک قوله "وَ اغفِر لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّين" (الشعراء 86) اي فيما مضي، و يجوز أن يکون أظهر الكفر بعد ذلک فلما تبين ذلک تبرأ منه. فأما من قال: إن الوعد کان من ابراهيم فالسؤال باق لأن لقائل أن يقول و لم وعد كافراً أن يستغفر له! فان قلنا: وعده بأن يستغفر له إن آمن کان الرجوع الي الجواب الآخر. و العداوة هي الابعاد من النصرة الي أعداد العقوبة. و الولاية التقريب من النصرة من غير فاصلة بالحياة و الكرامة.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: وقوله: "وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (الانعام 142) تحذير لهم مما يصدهم عن الدخول في السلّم. أى: أدخلوا في السلّم واحذروا أن تتبعوا مدارج الشيطان وطرقه إنه لكم عدو ظاهر العداوة بحيث لا تخفى عداوته على عاقل. والخطوات. جمع خطوة بفتح الخاء وضمها وهي ما بين قدمي من يخطو. وفي قوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إشعار بأن الشيطان كثيرا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ودرجة فدرجة حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزغات الشيطان ووساوسه، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقوله: "إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (الانعام 142) جملة تعليلية، مؤكدة للنهى ومبينة لحكمته. قوله: "بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ" (الاعراف 24) أى: بعض ذريتكما لبعض عدو، بسبب التخاصم والتنازع والتدافع على حطام هذه الدنيا. الخطاب فيه لآدم وحواء، وإبليس، وقيل الخطاب لآدم وحواء ونسلهما. والهبوط: النزول من أعلى إلى أسفل ضد الصعود. يقال: هبط يهبط ويهبط أى: نزل من علو إلى سفل. والعداوة معناها التناكر والتنافر بالقلوب. أى: قلنا لآدم وحواء والشيطان انزلوا إلى الأرض متنافرين متباغضين، يبغى بعضكم على بعض. وعداوة الشيطان لآدم نشأت عن حسد وتكبر منذ أن أمر بالسجود له فأبى وامتنع وقال: أنا خير منه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" ﴿الأنفال 60﴾ لا تنتظروا حتى يهجم العدو فتستعدوا عندئذ لمواجهته، بل يجب أن تكون لديكم القدرة والاستعداد اللازم لمواجهة هجمات الأعداء المحتملة. ملاحظات 1- إن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم العملية وأئمة الإسلام تدل على أنهم لم يدخروا وسعا، واستغلوا كل فرصة لمواجهة العدو، كإعداد الجنود وتهيئة السلاح، وشد الأزر ورفع المعنويات، وبناء معسكرات التدريب، واختيار الزمان المناسب للهجوم، والعمل على استعمال مختلف الأساليب الحربية، ولم يتركوا أية صغيرة ولا كبيرة في ذلك. والمعروف أن النبي بلغه أن سلاحا جديدا مؤثرا صنع في اليمن أيام معركة حنين، فأرسل النبي جماعة إلى اليمن لشرائه فورا. ونقرأ في أخبار معركة أحد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد على شعار المشركين (أعل هبل، أعل هبل) بشعار أقوى منه وهو (الله أعلى وأجل) ورد على شعارهم: (إن لنا العزى ولا عزى لكم)، بقوله: (الله مولانا ولا مولى لكم)، وهذا الأمر يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين كذلك لم يغفلوا عن اختيار أقوى الشعارات في مواجهة الأعداء والرد على عقائدهم وشعاراتهم. ومن التعاليم الإسلامية المهمة في هذا الصدد موضوع سباق الخيل والرماية، وما جوزه الفقه فيهما من الربح والخسارة، فهو مثل آخر على تفكير الإسلام العميق إلى جانب الاستعداد لمواجهة الأعداء وحث المسلمين على ذلك. 2 - واللطيفة المهمة الأخرى التي نستنتجها من الآية آنفة الذكر هو عالمية وخلود هذا الدين الإلهي. لأن مفاهيم هذا الدين ومضامينه ذات أبعاد واسعة لا تخلق على مرور الزمان ولا تغدو بالية أو منسوخة برغم القدم، فجملة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة كان لها مفهوم حي قبل أكثر من ألف عام، كما هي الحال اليوم، وسيبقى مفهومها حيا إلى عشرات الآلاف من السنين الأخرى لأن أي سلاح يظهر في المستقبل فهو كامن في كلمة (القوة) الجامعة، إذ أن جملة "ما استعطتم" (الانفال 60) عامة، وكلمة " قوة " نكرة تؤيد عمومية تلك الجملة لتشمل كل قوة. 3 - ويرد هنا سؤال وهو: لماذا وردت عبارة " رباط الخيل " بعد كلمة "قوة" (الانفال 60) بمالها من المفهوم الواسع. وجواب هذا السؤال هو أن الآية بالرغم من أنها تتضمن قانونا شاملا لكل عصر وزمان، فهي في الوقت ذاته تحمل تعليما مهما خاصا بعصر النبي، الذي هو عصر نزول القرآن. وفي الحقيقة إن هذا المفهوم العام جاء بمثال واضح لذلك العصر، لأن الخيل كانت في ذلك الزمن من أهم وسائل الحرب، فهي وسيلة مهمة عند المقاتلين الشجعان والأبطال في هجومهم وقتالهم السريع، وأهميتها تشبه أهمية الطائرات والدبابات في العصر الحاضر. الهدف من تهيئة السلاح وزيادة التعبئة العسكرية: ثم ينتقل القرآن بعد ذلك التعليم المهم إلى الهدف المنطقي والإنساني من وراء هذا الموضوع، فيقول: إن الهدف منه ليس تزويد الناس في العالم أو في مجتمعكم بأنواع الأسلحة المدمرة التي تهدم المدن وتحرق الأخضر واليابس وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وليس الهدف هو توسعة الاستعباد والإستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك هو ترهبون به عدو الله وعدوكم لأن أكثر الأعداء لا يستمعون لكلمة الحق ولا يستجيبون لنداء المنطق والمبادي الإنسانية، ولا يفهمون غير منطق القوة! فإذا كان المسلمون ضعافا، فسوف يفرض عليهم الأعداء كل ما يريدون، أما إذا اكتسبوا القوة الكافية، فإن أعداء الحق والعدل والاستقلال والحرية سيشعرون بالخوف ولا يفكرون بالتجاوز والعدوان.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشجع الناس، و كان ينطلق إلى ما يفزع الناس منه، قبلهم، و يحتمي الناس به، و ما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه. كان صلى الله عليه وآله وسلم يترك المراء، و المراء هو الطعن في كلام الآخرين بقصد التحقير و الإهانة و لإظهار التفوق و الكياسة، و سببه العدواة و الحسد و يسبب النفاق و يمرض القلب.
https://telegram.me/buratha