الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن نبي الله الياس عليه السلام "وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الصافات 123﴾ الياس اسم علم، إِلْيَاسَ: نبي وهو سبط هارون عليهما السلام، وإن عبدنا إلياس لمن الذين أكرمناهم بالنبوة والرسالة، إذ قال لقومه من بني إسرائيل: اتقوا الله وحده وخافوه، ولا تشركوا معه غيره، كيف تعبدون صنمًا، وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين، وهو ربكم الذي خلقكم، وخلق آباءكم الماضين قبلكم؟ و "وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ" ﴿الأنعام 85﴾ وَإِلْيَاسَ: وَ حرف عطف، إِلْيَاسَ اسم علم، وكذلك هدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وكل هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من الصالحين.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: (كلام في قصة إلياس عليه السلام) 1 ـ قصته في القرآن: لم يذكر اسمه عليه السلام في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع وفي سورة الأنعام عند ذكر هداية الأنبياء حيث قال "وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ" (الانعام 85). ولم يذكر تعالى من قصته في هذه السورة إلا أنه كان يدعو إلى عبادة الله سبحانه قوما كانوا يعبدون بعلا فآمن به وأخلص الإيمان قوم منهم وكذبه آخرون وهم جل القوم وإنهم لمحضرون. وقد أثنى الله سبحانه عليه في سورة الأنعام بما أثنى به على الأنبياء عامة وأثنى عليه في هذه السورة بأنه من عباده المؤمنين المحسنين وحياة بالسلام بناء على القراءة المشهورة "سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" (الصافات 130). 2 ـ الأحاديث فيه: ورد فيه عليه السلام أخبار مختلفة متهافتة كغالب الأخبار الواردة في قصص الأنبياء، الحاكية للعجائب كالذي روي عن ابن مسعود: أن إلياس هو إدريس وما عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله: أن الخضر هو إلياس، وما عن وهب وكعب الأحبار وغيرهما: أن إلياس حي لا يموت إلى النفخة الأولى، وما عن وهب: أن إلياس سأل الله أن يريحه من قومه ـ فأرسل الله إليه دابة كهيئة الفرس في لون النار فوثب إليه فانطلق به فكساه الله الريش والنور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار في الملائكة، وما عن كعب الأحبار: أن إلياس صاحب الجبال والبر وأنه الذي سماه الله بذي النون، وما عن الحسن: أن إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالجبال، وما عن أنس: أن إلياس لاقى النبي صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره فقعدا يتحدثان ثم نزل عليهما مائدة من السماء ـ فأكلا وأطعماني ثم ودعه وودعني ـ ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء إلى غير ذلك وفي بعض أخبار الشيعة أنه عليه السلام حي مخلد لكنها ضعاف وظاهر آيات القصة لا يساعد عليه. وفي البحار، في قصة إلياس عليه السلام عن قصص الأنبياء، بالإسناد عن الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه، ورواه الثعلبي في العرائس، عن ابن إسحاق وعلماء الأخبار أبسط منه والحديث طويل جدا، وملخصه: أنه بعد انشعاب ملك بني إسرائيل وتقسمه بينهم سار سبط منهم إلى بعلبك وكان لهم ملك منهم يعبد صنما اسمه بعل ويحمل الناس على عبادته. وكانت له مرأة فاجرة قد تزوجت قبله بسبعة من الملوك وولدت تسعين ولدا سوى أبناء الأبناء، وكان الملك يستخلفها إذ غاب فتقضي بين الناس، وكان له كاتب مؤمن حكيم قد خلص من يدها ثلاثمائة مؤمن تريد قتلهم، وكان في جوار قصر الملك رجل مؤمن له بستان وكان الملك يحترم جواره ويكرمه. ففي بعض ما غاب الملك قتلت المرأة الجار المؤمن وغصبت بستانه فلما رجع وعلم به عاتبها فاعتذرت إليه وأرضته فآلى الله تعالى على نفسه أن ينتقم منهما إن لم يتوبا فأرسل إليهم إلياس عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله وأخبرهما بما آلى الله فاشتد غضبهم عليه وهموا بتعذيبه وقتله فهرب منهم إلى أصعب جبل هناك فلبث فيه سبع سنين يعيش بنبات الأرض وثمار الشجر فأمرض الله ابنا للملك يحبه حبا شديدا فاستشفع ببعل فلم ينفعه فقيل له: إنه غضبان عليك إن لم تقتل إلياس فأرسل إليه فئة من قومه ليخدعوه ويقبضوا عليه فأرسل الله إليهم نارا فأحرقتهم ثم أرسل إليه فئة أخرى ـ من ذوي البأس مع كاتبه المؤمن فذهب معه إلياس صونا له من غضب الملك ـ لكن الله سبحانه أمات ابنه فشغله حزنه عن إلياس فرجع سالما. ثم لما طال الأمر نزل إلياس من الجبل واستخفى عند أم يونس بن متى في بيتها ويونس طفل رضيع ثم خرج بعد ستة أشهر إلى الجبل ثانيا واتفق أن مات بعده يونس ثم أحياه الله بدعاء إلياس بعد ما خرجت أمه في طلبه فوجدته فتضرعت إليه. ثم إنه سأل الله أن ينتقم له من بني إسرائيل ويمسك عنهم الأمطار فأجيب وسلط الله عليهم القحط فأجهدوا سنين فندموا فجاءوه فتابوا وأسلموا فدعا الله فأرسل عليهم المطر فسقاهم وأحيا بلادهم . فشكوا إليه هدم الجدران وعدم البذر من الحبوب ـ فأوحى إليه أن يأمرهم أن يبذروا الملح ـ فأنبت لهم الحمص وأن يبذروا الرمل فأنبت لهم منه الدخن. ثم لما كشف الله عنهم الضر نقضوا العهد وعادوا إلى أخبث ما كانوا عليه فأمل ذلك إلياس فدعا الله أن يريحه منهم فأرسل الله إليه فرسا من نار فوثب عليه إلياس فرفعه الله إلى السماء وكساه الريش والنور فكان مع الملائكة. ثم سلط الله على الملك وامرأته عدوا فقصدهما وظهر عليهما فقتلهما وألقى جيفتهما في بستان ذلك الرجل المؤمن الذي قتلاه وغصبوا بستانه. وأنت بالتأمل فيما تقصه الرواية لا ترتاب في ضعفها.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ" (الصافات 119-120) أى: وأبقينا عليهما في الأمم المتأخرة الثناء الجميل، والذكر الحسن. "إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات 121) أى: مثل هذا التكريم نجازي عبادنا المحسنين "إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" (الصافات 122) أى الذين صدقوا في إيمانهم، وفي طاعتهم لنا. ثم ساق سبحانه جانبا من قصة إلياس عليه السلام وهو أيضا من ذرية إبراهيم وإسحاق. وإلياس عليه السلام هو ابن فنحاص بن العيزار بن هارون عليه السلام فهو ينتهى نسبه أيضا إلى إبراهيم وإسحاق. ويعرف إلياس في كتب الإسرائيليين باسم إيليا وقد أرسله الله تعالى إلى قوم كانوا يعبدون صنما يسمونه بعلا. ويقال: إن رسالته كانت في عهد (آحاب) أحد ملوك بنى إسرائيل في حوالى القرن العاشر ق م. والمعنى: "وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" (الصافات 123) الذين أرسلناهم إلى الناس ليخرجونهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وقوله: "إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ" (الصافات 124) شروع في بيان ما نصح به إلياس قومه، والظرف مفعول لفعل محذوف، والتقدير اذكر وقت أن قال لقومه ألا تتقون الله. وتخشون عذابه ونقمته. والاستفهام للحض على تقوى الله تعالى واجتناب ما يغضبه. ثم أنكر عليهم عبادتهم لغيره سبحانه فقال: "أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" (الصافات 125). والبعل: اسم للصنم الذي كان يعبده قومه، وهو صنم قيل: سميت باسمه مدينة بعلبك بالشام، وكان قومه يسكنون فيها، وقيل: البعل: الرب بلغة اليمن. أى: قال لهم على سبيل التوبيخ والزجر: أتعبدون صنما لا يضر ولا ينفع وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق، وهو الله عز وجل الذي خلقكم ورزقكم. ولفظ الجلالة في قوله: "اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" (الصافات 126) بدل من "أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" (الصافات 125). أى: أتعبدون صنما صنعتموه بأيديكم، وتذرون عبادة الله تعالى الذي هو "ربكم ورب آبائكم الأولين" (الصافات 126). وقرأ غير واحد من القراء السبعة اللَّهَ بالرفع على أنه مبتدأ، ورَبَّكُمْ خبره. والتعرض لذكر ربوبيته تعالى لآبائهم الأولين، الغرض منه التأكيد على بطلان عبادتهم لغيره سبحانه فكأنه يقول لهم: إن الله تعالى الذي أدعوكم لعبادته وحده ليس هو ربكم وحدكم بل أيضا رب آبائكم الأولين، الذين من طريقهم أتيتم إلى هذه الحياة. وقوله تعالى "فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ" (الصافات 127) بيان لموقفهم من نبيهم، ولما حل بهم من عذاب بسبب إعراضهم عن دعوته. أى: دعا إلياس قومه إلى عبادة الله تعالى وحده، فكذبوه وأعرضوا عن دعوته، وسيترتب على تكذيبهم هذا، إحضارهم إلى جهنم إحضارا فيه ذلهم وهوانهم. "إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" (الصافات 128) فإنهم ناجون من الإحضار الأليم، لأنهم سيكونون يوم القيامة محل تكريمنا وإحساننا. "وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ" (الصافات 129) أى: وأبقينا على إلياس في الأمم الآخرين "سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" (الصافات 130) أى: أمان وتحية منا ومنهم على إلياس ومن آمن معه. "إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" (الصافات 131-132).
https://telegram.me/buratha