الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن عسرة وميسرة "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" ﴿البقرة 280﴾ عسرة اسم، ميسرة اسم، عسرة: ضيق الحال عُدْم المال، وإن كان المدين غير قادر على السداد فأمهلوه إلى أن ييسِّر الله له رزقًا فيدفع إليكم مالكم، وإن تتركوا رأس المال كله أو بعضه وتضعوه عن المدين فهو أفضل لكم، إن كنتم تعلمون فَضْلَ ذلك، وأنَّه خير لكم في الدنيا والآخرة، و "لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ﴿التوبة 117﴾ الْعُسْرَةِ: الْ اداة تعريف، عُسْرَةِ اسم، لقد وفَّق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة إليه وطاعته، وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وتاب على أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة ﴿تبوك﴾ في حرٍّ شديد، وضيق من الزاد والظَّهْر، لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق، فيميلون إلى الدَّعة والسكون، لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم، إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة، وقَبِلَها منهم، وثبَّتهم عليها. أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال تعالى: "وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ" (البقرة 280). والعسرة: اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال: أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال. والنظرة: اسم من الإنظار بمعنى الإمهال. يقال: نظره وانتظره وتنظره، تأنى عليه وأمهله في الطلب.
جاء في معاني القرآن الكريم: عسر العسر: نقيض اليسر. قال تعالى: "فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا" (الشرح 5-6)، والعسرة: تعسر وجود المال. قال: "في ساعة العسرة" (التوبة 117)، وقال: "وإن كان ذو عسرة" (البقرة 280)، وأعسر فلان، نحو: أضاق، وتعاسر القوم: طلبوا تعسير الأمر. "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" (الطلاق 6)، ويوم عسير: يتصعب فيه الأمر، قال: "وكان يوما على الكافرين عسيرا" (الفرقان 26)، "يوم عسير * على الكافرين غير يسير" (المدثر 9-10)، وعسرني الرجل: طالبني بشيء حين العسرة. يسر اليسر: ضد العسر. قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" (البقرة 185)، "سيجعل الله بعد عسر يسرا" (الطلاق 7)، "وسنقول له من أمرنا يسرا" (الكهف 88)، "فالجاريات يسرا" (الذاريات 3) وتيسير كذا واستيسر أي: تسهل، قال: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" (البقرة 196)، "فاقرءوا ما تيسر منه" (المزمل 20) أي: تسهل وتهيأ، ومنه: أيسرت المرأة، وتيسرت في كذا. أي: سهلته وهيأته، قال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" (القمر 17)، "فإنما يسرناه بلسانك" (مريم 97) واليسرى: السهل، وقوله: "فسنيسره للعسرى" (الليل 7)، "فسنيسره للعسرى" (الليل 10) فهذا وإن كان قد أعاره لفظ التيسير فهو على حسب ما قال عز وجل: "فبشرهم بعذاب أليم" (ال عمران 21). واليسير والميسور: السهل، قال تعالى: "فقل لهم قولا ميسورا" (الاسراء 28) واليسير يقال في الشيء القليل، فعلى الأول يحمل قوله: "يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا" (الاحزاب 30)، وقوله: "إن ذلك على الله يسير" (الحج 70). وعلى الثاني يحمل قوله: "وما تلبثوا بها إلا يسيرا" (الاحزاب 14) والميسرة واليسار عبارة عن الغنى. قال تعالى: "فنظرة إلى ميسرة" (البقرة 280) واليسار أخت اليمين، وقيل: اليسار بالكسر، واليسرات: القوائم الخفاف، ومن اليسر الميسر.
عن التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قال الله تعالى "لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ﴿التوبة 117﴾ في ساعة العسرة. أى في وقت الشدة والضيق، وهو وقت غزوة تبوك، فالمراد بالساعة هنا مطلق الوقت. وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة، كما كان الجيش الذي اشترك فيها يسمى بجيش العسرة، وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في سنة مجدبة، وحر شديد، وفقر في الزاد والماء والراحلة. هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين وقفوا إلى جانب النبي صلّى الله عليه وسلّم في ساعة العسرة، لم يكتفوا بتحمل البلاء معه فقط، بل تجاوزوا حدود الصبر إلى حدود الشكر على هذه الشدائد التي ميزت الخبيث من الطيب، فالشكر هنا صبر وزيادة، وقليل من الناس هو الذي يكون على هذه الشاكلة، ولذا قال تعالى "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ" (سبأ 13). وللعلماء أقوال في المراد بالتوبة التي تابها الله على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار: فمنهم من يرى أن المراد بها قبول توبتهم، وغفران ذنوبهم، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة أو في غيرها، وإلى هذا المعنى أشار القرطبي بقوله: قال ابن عباس: كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود، بدليل قوله- سبحانه- قبل ذلك: "عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ" (التوبة 43). وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه- أى: إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك. أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال- تعالى-: "وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ" (البقرة 280). والعسرة: اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال: أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال. والنظرة: اسم من الإنظار بمعنى الإمهال. يقال: نظره وانتظره وتنظره، تأنى عليه وأمهله في الطلب. والميسرة: مفعلة من اليسر الذي هو ضد الإعسار. يقال: أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت حاله. والمعنى: وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من ديون، ولا تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له: إما أن تقضى وإما أن تربى أى تدفع زيادة على أصل الدين. وكانَ هنا الظاهر أنها تامة بمعنى وجد أو حدث، فتكتفى بفاعلها كسائر الأفعال. وقيل يجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير مستكن فيها يعود إلى المدين وإن لم يذكر وذلك على قراءة ذا عسرة بالنصب وقوله: فَنَظِرَةٌ الفاء جواب الشرط. ونظرة خبر لمبتدأ محذوف أى فالأمر أو فالواجب أو مبتدأ محذوف الخبر أى فعليكم نظرة.
وعن كتاب من هدي القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: يمكنكم استعادة رؤوس أموالكم التي دفعتموها للمقترضين دون اخذ الربا منهم، ولكن لا يجوز لكم الضغط عليهم "وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ" ﴿البقرة 280﴾ الذي استدان منكم "فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ" ﴿البقرة 280﴾ فلابد من إعطاء مهلة حتى يقدر على الوفاء، والأفضل من إعطاء المهلة هو التغاضي رأسا عن الدين، واعتباره صدقة "وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" ﴿البقرة 280﴾. نظرة: تأخير. ميسرة: الميسر والميسور بمعنى اليسار والغنى والسعة. قوله تعالى "لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ﴿التوبة 117﴾ إن الله تعالى يغفر الذنوب التي ارتكبها البشر تحت ضغط الظروف الصعبة مثل ساعة العسرة التي مر بها اصحاب الرسول صلى الله عليه واله وكادت قلوبهم تصاب بالزيغ والإنحراف بل الضلال، فغفر الله لهم لأنه رؤوف رحيم بهم، ويعرف مدى ضعفهم، كما غفر الله لأولئك الذين تخلفوا عن المعركة ثم تابوا إلى الله وعرفوا ألا ملجأ من الله إلا إليه، فآنئذ تاب الله عليهم، ليعودوا إليه وإلى مناهجه السماوية. وهكذا يأتي هذا الدرس مكملًا لآيات الدرس السابق التي تُبين لنا أن الإستغفار إنما هو قبل بلوغ الذنب مستوى الشرك بالله، فإذا بلغه فإن الله لا يغفره أبداً، أما قبلئذ فإن الله سبحانه يغفر بعض الذنوب. فالصبر في ساعة العسرة عمل عظيم يغفر الله تعالى بسببه سائر الأعمال الصغيرة، ولكن أهم نقطة هي اتباع الرسول، وعدم الخلاف معه، وعدم الإسترسال مع حالة الزيغ، الذي يصيب البشر في مثل هذه الحالات الصعبة. وزيغ القلب هو انحرافه عن الإيمان بالله والرسول، وإذا اتبع المؤمن قيادته ولم يتشكك فيها بسبب الظروف الصعبة فإن ذلك يشفع له ذنوبه، لأن الرسول أو الولي الذي يمثل القيادة سوف يشفع له عند الله، ويصلي له ويسغفر له، وبهذا نعرف فلسفة الشفاعة فهي سبب لتمتين الإرتباط بالرسول صلى الله عليه واله أو بالقيادة السليمة
https://telegram.me/buratha