الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة انصرنا "وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 250﴾ وَانصُرْنَا: وَ حرف عطف، انصُرْ فعل، نَا ضمير، ولما ظهروا لجالوت وجنوده، ورأوا الخطر رأي العين، فزعوا إلى الله بالدعاء والضراعة قائلين: ربنا أنزل على قلوبنا صبرًا عظيمًا، وثبت أقدامنا، واجعلها راسخة في قتال العدو، لا تفر مِن هول الحرب، وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين، و "وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 286﴾ فَانصُرْنَا: فَ حرف عطف، انصُرْ فعل، نَا ضمير، دين الله يسر لا مشقة فيه، فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه، فمن فعل خيرًا نال خيرًا، ومن فعل شرّاً نال شرّاً. ربنا لا تعاقبنا إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا، أو أخطأنا في فِعْل شيء نهيتنا عن فعله، ربَّنا ولا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لهم، ربنا ولا تُحَمِّلْنَا ما لا نستطيعه من التكاليف والمصائب، وامح ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأحسن إلينا، أنت مالك أمرنا ومدبره، فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك، وكذَّبوا نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم، واجعل العاقبة لنا عليهم في الدنيا والآخرة، و "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ﴿آل عمران 147﴾ وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وما وقع منا مِن تجاوزٍ في أمر ديننا، وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا، وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك.
من دعاء التحمل والاصر والطاقة "رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة 286). الدعاء عند مجابهة الاعداء والنصر " رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة 250). قال الله عز من قائل عن بروز الأبطال في ساحة الشرف أمام جيوش الطغاة التي ترأسها الطاغية جالوت "وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 250﴾. مهما كانت عدة وجمع الظالم. وفي كل مجتمع من المنتظرين لهم قائد في كل زمان هو الذي يهزم الظالم واعوانه كما قام بهذه المهمة الانبياء عليهم السلام "وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ" (البقرة 251).
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قال الله تعالى "وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250). فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)" (البقرة 250-252). (بيان) الاتصال البين بين الآيات أعني الارتباط الظاهر بين فرض القتال. والترغيب في القرض الحسن. والمعنى المحصل من قصة طالوت وداود وجالوت يعطي ان هذه الآيات نزلت دفعة واحدة. والمراد بيان ما للقتال من شؤون الحياة. والروح الذي به تقدم الامة في حياتهم الدينية. والدنيوية. وسعادتهم الحقيقية. يبين سبحانه فيها فرض الجهاد. ويدعو إلى الانفاق والبذل في تجهيز المؤمنين وتهيئة العدة والقوة. وسماه إقراضا لله لكونه في سبيله. مع ما فيه من كمال الاسترسال والأذان بالقرب. ثم يقص قصة طالوت وجالوت وداود ليعتبر بها هؤلاء المؤمنون المأمورون بالقتال مع أعداء الدين ويعلموا أن الحكومة والغلبة للايمان والتقوى وإن قل حاملوهما. والخزى والفناء للنفاق والفسق وإن كثر جمعهما. فإن بني إسرائيل. وهم أصحاب القصة. كانوا أذلاء مخزيين ما داموا على الخمود والكسل والتواني. فلما قاموا لله وقاتلوا في سبيل الله و استظهروا بكلمة الحق وإن كان الصادق منهم في قوله القليل منهم. وتولى اكثرهم عند إنجاز القتال أو لا. و بالاعتراض على طالوت ثانيا. و بالشرب من النهر ثالثا. وبقولهم: لا طاقة لنا بجالوت وجنوده رابعا. نصرهم الله تعالى على عدوهم فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت واستقر الملك فيهم. وعادت الحياة إليهم. ورجع إليهم سؤددهم وقوتهم. ولم يكن ذلك كله إلا لكلمة أجراها الإيمان والتقوى على لسانهم لما برزوا لجالوت وجنوده. وهي قولهم: ربنا افرغ علينا صبرا وانصرنا على القوم الكافرين. فكذلك ينبغي للمؤمنين ان يسيروا بسيرة الصالحين من الماضين. فهم الأعلون إن كانوا مؤمنين.
جاء في مجلة البيان عن شروط النصر للكاتب محمد بن شاكر الشريف: وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالنصر، ووعدُ الله حق لا يتخلف فمن أصدق من الله قيلًا ومن أصدق منه حديثًا. قال تعالى: "كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" (المجادلة 21)، كما قال: "وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات 173)، وقال: "إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ" (غافر 51)، فضمن الله لهم النصر في الدنيا والآخرة. ونصر الله لعباده أمر متقرر شرعًا وقدرًا لا يرتاب فيه مؤمن صادق الإيمان، لكن النصر له أسباب واقعية تجتلبه وتحوله من وعد حق إلى واقع حقًا، وهو ما يمكن تسميته بشروط النصر، هذه الشروط بعضها مذكور مع الوعد نفسه وبعضها مذكور في مواضع أخر، والمذكور في مواضع أخر هو مع النظر السديد تفصيل لما هو مذكور مع الوعد، وإنما نص عليه استقلالًا لأهميته من جانب وربما يغفل عنه الناس من جانب آخر. فالنصر مضمون ومقرون بصفة الإيمان فمن لم يحقق الإيمان الواجب فلا ينتظر عونًا من الله تعالى، والإيمان ليس قولًا فقط بل أهم ما يميزه هو وجود العمل الذي يصدق القول عمل القلب وعمل الجوارح، قال تعالى: "إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (الأنفال 2)، وقال تعالى: "إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِىنَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" (النور 62)، وقال تعالى: "إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" (الحجرات 15)، وهذه الآيات تبين أن الإيمان لا يكون إيمانًا حقًا ولا يكون صاحبه صادقًا فيما يدعيه حتى يجمع العمل إلى القول والتصديق القلبي الذي يدل على اليقين والاطمئنان.
https://telegram.me/buratha