الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن الطور "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" ﴿المؤمنون 20﴾ طور اسم، وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور "سيناء"، يعصر منها الزيت، فيدَّهن ويؤتدم به، و "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" ﴿البقرة 63﴾ الطُّورَ: ال اداة تعريف، طُّورَ اسم، الطور: الجبل من كلام العرب. وقيل لا يكون الجبل طورا حتى يكون ذا شجر و ثمر، واذكروا -يا بني إسرائيل- حين أَخَذْنا العهد المؤكَّد منكم بالإيمان بالله وإفراده بالعبادة، ورفعنا جبل الطور فوقكم، وقلنا لكم: خذوا الكتاب الذي أعطيناكم بجدٍ واجتهاد واحفظوه، وإلا أطبقنا عليكم الجبل، ولا تنسوا التوراة قولا وعملا كي تتقوني وتخافوا عقابي، و "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿البقرة 93﴾ واذكروا حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من التوراة، فنقضتم العهد، فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم بجدٍّ، واسمعوا وأطيعوا، وإلا أسقطنا الجبل عليكم، فقلتم: سمعنا قولك وعصينا أمرك، لأن عبادة العجل قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر. قل لهم -أيها الرسول-: قَبُحَ ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلال، إن كنتم مصدِّقين بما أنزل الله عليكم، و "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا" ﴿النساء 154﴾ الطُّورَ: جبل في سيناء، ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة، وأمرناهم أن يدخلوا باب "بيت المقدس" سُجَّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فاعتدَوا، وصادوا، وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا، فنقضوه، و "وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" ﴿القصص 46﴾ وما كنت -أيها الرسول- بجانب جبل الطور حين نادينا موسى، ولم تشهد شيئًا من ذلك فتعلمه، ولكنا أرسلناك رحمة من ربك، لتنذر قومًا لم يأتهم مِن قبلك من نذير، لعلهم يتذكرون الخير الذي جئتَ به فيفعلوه، والشرَّ الذي نَهيتَ عنه فيجتنبوه.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: "الطور" (البقرة 63) (البقرة 93) جبل كلم عليه موسى بالأرض المقدسة، في قوله تعالى: "ورفعنا فوقكم الطور" (البقرة 63) (البقرة 93). و "طور سيناء" (المؤمنون 20) و "طور سينين" (التين 2) لا يخلو أما أن يكون مضافا إلى بقعة اسمها سيناء، أو سينون، وأما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه كامرء القيس. و "حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير" (النمل 17) أي جمع له ذلك فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والإنس حتى يجلس على سريره، وكان لا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أذله وادخله في الاسلام، ويروى انه خرج من بيت المقدس مع سليمان ستمائة الف كرسي عن يمينه وشماله، وامر الطير فأظلتهم، وامر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن ثم رجع فبات في إصطخر في بلد فارس فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا أعظم من هذا أو سمعتم قالوا: لا، فنادى ملك من السماء لثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم، ومما نقل إن معسكر سليمان مائة فرسخ، خمسة وعشرون من الانس، وخمسة وعشرون من الجن، وخمسة وعشرون من الوحوش. (طوى) "طوى" (طه 12) (النازعات 16) وطوى يقرءان جميعا بالتنوين وعدمه فمن جعله اسم أرض لم يصرفه، ومن جعله اسم الوادي صرفه لأنه مذكرا، وكذا من جعله مصدرا كقوله: "ناديه بالواد المقدس طوى" (النازعات 16) وثنى: أي مرتين، قيل: سمي به الوادي لأنه قدس مرتين فكأنه طوى بالبركة كرتين "والسماوات مطويات بيمينه" (الزمر 67) هو تصوير لجلاله وعظم شأنه لا غير، من غير تصور قبضته، وبيمينه لا حقيقة ولا مجازا.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" (القصص 46) اي نادينا موسى بأمر النبوة، ولكننا أنزلنا إليك بهذه الاخبار رحمة من الله عليك ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون. وخلاصة الكلام: أن الله أخبرك يا محمد بالحوادث التي فيها إيقاظ وإنذار لما جرى في الأقوام السابقين، ولم تكن فيهم من الشاهدين، لتتلو كل ذلك على قومك الذين هم على ضلال لعلهم يهتدون ولعلهم يتذكرون. ونعرف أن الآيات المتقدمة تتحدث عن حركة موسى من مدين باتجاه مصر، وسماعه النداء من قبل الله لأول مرة في وادي الطور. بديهي أن تكليم الله عباده لا يعني أن الله له جسم ولسان، بل إنه بقدرته الواسعة يخلق في الفضاء أمواجا صوتية خاصة قابلة للسمع والإدراك، (كما كلم الله موسى عند جبل الطور)، أو أنه يتكلم مع خاصة عباده بلسان القلب عن طريق الإلهام. ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من قرأ سورة الطور كان حقا على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته). وورد في حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (من قرأ سورة الطور جمع الله له خير الدنيا والآخرة) وواضح أن كل هذا الأجر والثواب العظيم في الدنيا والآخرة هو لأولئك الذين يجعلون هذه التلاوة وسيلة للتفكر والتفكر بدوره وسيلة للعمل. اختلف المفسرون في المقصود من جبل "الطور"، منهم من قال: إنه نفس الجبل الذي أوحي فيه إلى موسى. وقال آخرون: إنه اسم جنس بمعنى مطلق "الجبل" لا جبل بعينه. وجاء تعبير (الجبل) بدل كلمة الطور في قوله تعالى: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم" (الاعراف 171). وقد نقل أن في زمن موسى بن عمران وحده كان يوجد بين اليهود سبعون نبيا، وإن السبعين رجلا الذين ذهبوا مع موسى عليه السلام إلى جبل "الطور" كانوا كلهم بمنزلة الأنبياء. والآية التالية تبين واقعة دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة نقلا عن لسان نبيهم موسى عليه السلام فتقول: "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين" (المائدة 21) وقد اختلف المفسرون حول المراد بعبارة (الأرض المقدسة) الواردة في الآية، وحول موقعها الجغرافي من العالم. فيرى البعض أنها أرض (بيت المقدس) حيث القدس الشريف، وآخرون يرون أنها (أرض الشام) وفئة ثالثة ترى أنها (الأردن وفلسطين) وجماعة أخرى تقول أنها أرض (الطور). ولكن لا يستبعد أن يكون المراد من العبارة المذكورة كل أرض الشام التي تشمل جميع الاحتمالات الواردة، لأن هذه الأرض كما يشهد التاريخ تعتبر مهدا للأنبياء، ومهبطا للوحي، ومحلا لظهور الأديان السماوية الكبرى، كما أنها كانت لفترات طوال من التاريخ مركزا للتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ونشر تعاليم الأنبياء لهذه الأسباب كلها سميت ب (الأرض المقدسة) مع أن هذا الاسم يطلق عن منطقة (بيت المقدس) بصورة خاصة أحيانا.
جاء عن مركز الابحاث العقائدية: بعد هلاك فرعون ومن اتبعه ونجاة بني إسرائيل، ظهرت مواقف أخرى بين موسى عليه السلام وبني إسرائيل، منها أن جماعة من بني إسرائيل أصروا على موسى عليه السلام برؤية الله سبحانه، وإلا فلن يؤمنوا به، وأخيراً اضطر موسى ان يختار سبعين نفراً من بني إسرائيل، واخذهم إلى الوادي المقدس (طور)، وهناك طلب من الحضرة الربوبية هذا الطلب. فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: "لن تراني" (الاعراف 143) وبهذا الجواب اتضح لبني إسرائيل كل شيء، لذلك يكون طلب موسى عليه السلام من لسان قومه نتيجة لاِصرارهم وضغطهم عليه، وحينما أرسل الله الزلزلة والصاعقة إلى المرافقين لموسى والبالغ عددهم سبعين نفراً وهلاكهم، قال موسى عليه السلام مخاطباً ربه: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" (الاعراف 143). فأجابه الله تعالى: "لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربُّه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين" (الاعراف 143). فالتجلّي الاِلهي على الجبل، لاَجل رؤية الآثار الاِلهية، كأمواج الصاعقة الشديدة، التي أدت إلى تلاشي الجبل، مما أدى إلى دهشة موسى عليه السلام وأصحابه، فالله سبحانه بهذه القدرة، أراد أن يفهم أصحاب موسى بعجزهم عن تحمل إحدى آثاره، فكيف النظر إلى الذات الاِلهية المقدسة؟ فأنتم أعجز من رؤيته بالعين، التي هي جسم مادي، في حين أن الله مجرد مطلق. وبهذا التجلي الاِلهي، رأى أصحاب موسى عليه السلام الله تعالى بعين القلب، وأدركوا عدم قابليتهم على رؤيته بالعين المادية، وكانت توبة موسى عليه السلام، كطلبه الرؤية نيابة عن قومه، ولاَجل رفع الشبهة، كان من اللازم على موسى عليه السلام أن يظهر إيمانه ليعلم أصحابه أنه لم يطلب طلباً مخالفاً لاِيمانه مطلقاً، بل عرض هذا الطلب كممثل عنهم.
https://telegram.me/buratha