الصفحة الإسلامية

روايات عن الأرض المقدسة (ح 2) (الطور)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن الطور "وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا" ﴿مريم 52﴾ الطُّورَ: ال اداة تعريف، طُّورَ اسم، مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ: الجانب الأيمن من موسى، ونادينا موسى من ناحية جبل طور "سيناء" اليمنى من موسى، وقرَّبناه فشرَّفناه بمناجاتنا له. وفي هذا إثبات صفة الكلام لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، و "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" ﴿طه 80﴾ يا بني إسرائيل اذكروا حين أنجيناكم مِن عدوكم فرعون، وجَعَلْنا موعدكم بجانب جبل الطور الأيمن لإنزال التوراة عليكم، ونزلنا عليكم في التيه ما تأكلونه، مما يشبه الصَّمغ طعمه كالعسل، والطير الذي يشبه السُّمَانَى، و "فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" ﴿القصص 29﴾ فلما وفى نبي الله موسى عليه السلام صاحبه المدة عشر سنين، وهي أكمل المدتين، وسار بأهله إلى "مصر" أبصر من جانب الطور نارًا، قال موسى لأهله: تمهلوا وانتظروا إني أبصرت نارًا، لعلي آتيكم منها بنبأ، أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون بها، و "وَالطُّورِ" ﴿الطور 1﴾ وَالطُّورِ: (قَسمُ) بجبل الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، أقسم الله بالطور، وهو الجبل الذي كلَّم الله سبحانه وتعالى موسى عليه، وبكتاب مكتوب، وهو القرآن في صحف منشورة، وبالبيت المعمور في السماء بالملائكة الكرام الذين يطوفون به دائمًا، وبالسقف المرفوع وهو السماء الدنيا، وبالبحر المسجور المملوء بالمياه، و "وَطُورِ سِينِينَ" ﴿التين 2﴾ وَطُورِ: وَ حرف عطف، طُورِ اسم، أَقْسم الله بالتين والزيتون، وهما من الثمار المشهورة، وأقسم بجبل "طور سيناء" الذي كلَّم الله عليه موسى تكليمًا، وأقسم بهذا البلد الأمين من كل خوف وهو "مكة" مهبط الإسلام. لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة، ثم رددناه إلى النار إن لم يطع الله، ويتبع الرسل، لكن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا منقوص.

جاء في معاني القرآن الكريم: طور طوار الدار وطواره: ما امتد منها من البناء، يقال: عدا فلان طوره، أي: تجاوز حده، ولا أطور به، أي: لا أقرب فناءه. يقال: فعل كذا طورا بعد طور، أي تارة بعد تارة، وقوله: "وقد خلقكم أطوارا" (نوح 14)، قيل: هو إشارة إلى نحو قوله تعالى: "خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة" (الحج 5)، وقيل: إشارة إلى نحو قوله: "واختلاف ألسنتكم وألوانكم" (الروم 22)، أي: مختلفين في الخلق والخلق. والطور اسم جبل مخصوص، وقيل: اسم لكل جبل وقيل: هو جبل محيط بالأرض (وهذا من الإسرائيليات مما لا يصح). قال تعالى: "والطور * وكتاب مسطور" (الطور 1-2)، "وما كنت بجانب الطور" (القصص 46)، "وطور سينين" (التين 2)، "وناديناه من جانب الطور الأيمن" (مريم 52)، "ورفعنا فوقهم الطور" (النساء 154).

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه "وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا" ﴿مريم 52﴾ "وناديناه" بقول "يا موسى إني أنا الله" "من جانب الطور" (مريم 52) اسم جبل "الأيمن" أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين "وقربناه نجيا" مناجيا بأن أسمعه الله تعالى كلامه.. قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" ﴿طه 80﴾ "يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم" فرعون بإغراقه "وواعدناكم جانب الطور الأيمن" فنؤتي موسى التوراة للعمل بها "ونزلنا عليكم المن والسلوى" هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر والمنادى من وجد من اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخوطبوا بما أنعم الله به على أجدادهم زمن النبي موسى. قال الله عز وجل "فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" ﴿القصص 29﴾. قوله تبارك وتعالى "وَالطُّورِ" ﴿الطور 1﴾ "والطور" أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى. قال الله جل جلاله "وَطُورِ سِينِينَ" ﴿التين 2﴾ "وطور سينين" الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى ومعنى سينين المبارك أو الحسن بالأشجار المثمرة. قوله تعالى "وقد خلقكم أطوارا" (نوح 14) جمع طور وهو الحال فطورا نطفة وطورا علقة إلى تمام خلق الانسان، والنظر في خلقه يوجب الايمان بخالقه. قال الله سبحانه وتعالى "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" (المؤمنون 20) "و" أنشأنا "شجرة تخرج من طور سيناء" (المؤمنون 20) جبل بكسر السين وفتحها ومنع الصرف للعلمية والتأنيث للبقعة "تنبت" من الرباعي والثلاثي "بالدهن" الباء زائدة على الأول ومعدية على الثاني وهي شجرة الزيتون "وصبغ للآكلين" عطف على الدهن أي إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو الزيت. قوله عزت قدرته "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 63) "و" أذكر "إذ أخذنا ميثاقكم" عهدكم بالعمل بما في التوراة "و" قد "رفعنا فوقكم الطور" (البقرة 63) الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا "خذوا ما آتيناكم بقوة" بجد واجتهاد "واذكروا ما فيه" بالعمل به "لعلكم تتقون" النار أو المعاصي. قوله تعالى "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (البقرة 93) "وإذ أخذنا ميثاقكم" على العمل بما في التوراة "و" قد "رفعنا فوقكم الطور" (البقرة 93) الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم وقلنا "خذوا ما آتيناكم بقوة" بجد واجتهاد "واسمعوا" ما تؤمرون به سماع قبول "قالوا سمعنا" قولك "وعصينا" أمرك "وأشربوا في قلوبهم العجل" أي خالط حبه قلوبهم كما يخالط الشراب "بكفرهم قل" لهم "بئسما" شيئا "يأمركم به إيمانكم" بالتوراة عبادة العجل "إن كنتم مؤمنين" بها كما زعمتم.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا" ﴿مريم 52﴾ وأشارت الآية التالية إلى بداية رسالة موسى، فقالت: "وناديناه من جانب الطور الأيمن" (مريم 52) ففي تلك الليلة المظلمة الموحشة، حيث قطع موسى صحارى مدين متوجها إلى مصر، أخذ زوجته الطلق وألم الولادة، وكان البرد شديدا، فكان يبحث عن شعلة نار، وفجأة سطع نور من بعيد، وسمع نداء يبلغه رسالة الله، وكان هذا أعظم وسام وألذ لحظة في حياته. قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" ﴿طه 80﴾ تعقيبا على البحث السابق في نجاة بني إسرائيل بصورة إعجازية من قبضة الفراعنة، خاطبت هذه الآيات الثلاث بني إسرائيل بصورة عامة، وفي كل عصر وزمان، وذكرتهم بالنعم الكبيرة التي منحها الله إياهم، وأوضحت طريق نجاتهم. فقالت أولا: "يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم" (طه 80). ومن البديهي أن أساس كل نشاط ومجهود إيجابي هو التخلص من قبضة المتسلطين، والحصول على الحرية والاستقلال، ولذلك أشير إلى هذه المسألة قبل كل شئ. ثم تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمة، فتقول: "وواعدناكم جانب الطور الأيمن" (طه 80)، وهذه إشارة إلى حادثة ذهاب موسى عليه السلام مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور، ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلمه، وشاهدوا جميعا تجلي الله سبحانه. وأخيرا أشارت إلى نعمة مادية مهمة من نعم الله الخاصة ببني إسرائيل، فتقول: ونزلنا عليكم المن والسلوى ففي تلك الصحراء كنتم حيارى، ولم يكن عندكم شئ من الطعام المناسب، فأدرككم لطف الله، ورزقكم من الطعام الطيب اللذيذ ما كنتم بأمس الحاجة إليه. وللمفسرين بحوث كثيرة فيما هو المراد من (المن والسلوى)، بيناها في ذيل الآية "وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (البقرة 57)، بعد ذكر آراء المفسرين الآخرين وقلنا: إنه ليس من البعيد أن يكون "المن" نوعا من العسل الطبيعي كان موجودا في الجبال المجاورة لتلك الصحراء، أو نوعا من السكريات المولدة للطاقة من نباتات خاصة كانت تنمو في أطراف تلك الصحراء. والسلوى نوع من الطيور المحللة اللحم شبيها بالحمام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك