الصفحة الإسلامية

روايات عن الأرض المقدسة (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

وردت كلمة طور ومشتقاتها في القرآن الكريم: الطُّورَ، طُورِ، وَالطُّورِ، أَطْوَارًا، وَطُورِ. قال عليّ بن محمّد بن الجهم: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك انّ الأنبياء معصومون ؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فما معنى قول الله عزّ وجلّ "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني" (الاعراف 143) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أنّ الله تعالى ذكره لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضا عليه السلام: إنّ كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أنّ الله تعالى عن أن يرى بالأبصار، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّ به نجيّاً، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه، فخرج بهم إلى طور سينا، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله حتى نرى الله جهرةً، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته، فقال موسى عليه السلام: يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنّما يعرف بآياته ويعلم باعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى عليه السلام: ياربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا موسى إسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى عليه السلام: "ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك" (الاعراف 143) يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي "وأنا أوّل المؤمنين" (الاعراف 143) منهم بأنّك لا تفرى. فقال المأمون: لله درّك يا أبا الحسن ( الصدوق، التوحيد: 121 برقم 24 باب ما جاء في الرؤية ).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: رفع جبل الطور أما بشأن كيفية رفع جبل الطور في قوله تعالى: "ورفعنا فوقكم الطور" (البقرة 63) يقول الطبرسي عن أبي زيد: حدث هذا حين رجع موسى من الطور، فأتى بالألواح، فقال لقومه: جئتكم بالألواح وفيها التوراة والحلال والحرام فاعملوا بها. قالوا: ومن يقبل قولك؟ فأرسل الله عز وجل الملائكة حتى نتقوا (رفعوا) الجبل فوق رؤوسهم، فقال موسى عليه السلام: إن قبلتم ما آتيتكم به وإلا أرسلوا الجبل عليكم، فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين الجبل (أي وهم ينظرون إلى الجبل من طرف خفي)، فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم. مضمون هذه الآية ورد مع تفاوت بسيط في الآية "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (البقرة 93) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. ما هذا الانحراف نحو عبادة العجل بعد أن جاءتكم البينات إن كنتم في إيمانكم صادقين؟ لو كنتم آمنتم به حقا، فلم تبدل إيمانكم إلى كفر عند غياب موسى وذهابه إلى جبل الطور، وبذلك ظلمتم أنفسكم ومجتمعكم والأجيال المتعاقبة بعدكم؟ في الآية الثالثة يطرح القرآن وثيقة إدانة أخرى، فيشير إلى مسألة ميثاق جبل الطور ويقول: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا، قالوا: سمعنا وعصينا. ومن الآيات "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (النساء 154)، و "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ" (الاعراف 117). الطبرسي كما ذكرنا وجمع من المفسرين يذهبون إلى أن جبل الطور رفع فوق رؤوس بني إسرائيل بأمر الله لإيجاد الظل عليهم، وهناك من يقول إن زلزالا شديدا ضرب الجبل، بحيث كان يرى بنو إسرائيل ظل قمة الجبل على رؤوسهم من شدة الاهتزاز، وترقبوا أن يسقط الجبل عليهم، لكن الزلزال هدأ بفضل الله واستقر الجبل. ويحتمل أيضا أن تكون قد انفصلت من الجبل صخرة عظيمة بأمر الله على أثر زلزال شديد أو صاعقة، ومرت فوق رؤوسهم في لحظات، فرأوها وتصوروا أنها ستسقط عليهم. لا مانع من إرغام الأفراد المعاندين المتمردين على الرضوخ للحق بالقوة. وهذا الإرغام مؤقت هدفه كسر أنفتهم وعنادهم وغرورهم، ومن ثم دفعهم للفكر الصحيح، كي يؤدوا واجباتهم بعد ذلك عن إرادة واختيار. على أي حال، هذا الميثاق يرتبط بالمسائل العملية، لا بالجانب الاعتقادي، فالمعتقدات لا يمكن تغييرها بالإكراه. جبل الطور: اختلف المفسرون في المقصود من جبل "الطور"، منهم من قال: إنه نفس الجبل الذي أوحي فيه إلى موسى. وقال آخرون: إنه اسم جنس بمعنى مطلق "الجبل" لا جبل بعينه. وجاء تعبير (الجبل) بدل كلمة الطور في قوله تعالى: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم" (الاعراف 171). قوله تعالى "شجرة تخرج من طور سيناء" (المؤمنون 20) ماذا يقصد ب‌ طور سيناء؟ ذكر المفسرون لهذه الكلمة احتمالين: الأول: أنها إشارة إلى جبل الطور المعروف في صحراء سيناء. وإذا وصف القرآن المجيد شجرة الزيتون باعتبارها الشجرة التي تنمو في جبل الطور، لأن عرب الحجاز كانوا يمرون بهذه الأشجار المباركة عندما كانوا يتوجهون إلى الشمال، حيث تقع منطقة الطور في جنوب صحراء سيناء كما يدل على ذلك موقعها الجغرافي بوضوح. والاحتمال الثاني: طور سيناء ذات جانب وصفي يعني الجبل ذي الخيرات، أو الجبل ذي الأشجار الكثيرة، أو الجبل الجميل (لأن "الطور" يعني الجبل، و "سيناء" تعني ذات البركة والجمال والشجر).

جاء عن مركز الابحاث العقائدية: الطور: جَبل بيت المقدس، ممتدٌّ ما بين مصر وأيلة، وعن بعض أهل السير أنّه: سمّي بطور بن إسماعيل بن إبراهيم، قال تعالى: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" (القصص 46) وهو طور سيناء، قال الله سبحانه: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبُتُ" (المؤمنون 20) ، وقال في موضع آخر من كتابه المجيد: "والتين والزيتون * وطور سينين" (التين 1-2) ومعناهما واحد، وقال ابن أبي نجيح: الطور: الجبل، وسيناء: الحجارة أضيف إليها، وقال بعض أهل اللغة: لا يسمى الجبل طوراً حتى يكون ذا شجر ولا يقال للاَجرد طور، وبالقرب من مصر عند موضع يسمى مَدْيَن جبل يسمى الطور، ولا يخلو من الصالحين، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجرة العليق، وعليه كان الخطاب الثاني لموسى عليه السلام عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، والطور أيضاً: يسمى عند كورة تشتمل على عدّة قرى تعرف بهذا الاسم بأرض مصر القبلية، وبالقرب منها جبل فاران.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك