الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة بريء ومشتقاتها "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ" ﴿هود 35﴾، و "إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ" ﴿هود 54﴾ بريء اسم، بل أيقول هؤلاء المشركون من قوم نوح: افترى نوح هذا القول؟ قل لهم: إن كنتُ قد افتريتُ ذلك على الله فعليَّ وحدي إثم ذلك، وإذا كنتُ صادقًا فأنتم المجرمون الآثمون، وأنا بريء مِن كفركم وتكذيبكم وإجرامكم، و "فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ" ﴿الشعراء 216﴾ فإن خالفوا أمرك ولم يتبعوك، فتبرَّأ من أعمالهم، وما هم عليه من الشرك والضلال، و "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" ﴿الحشر 16﴾ ومثل هؤلاء المنافقين في إغراء اليهود على القتال ووَعْدهم بالنصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمثل الشيطان حين زيَّن للإنسان الكفر ودعاه إليه، فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب الخلق أجمعين، و "وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" ﴿النساء 112﴾ بريئا اسم، ومن يعمل خطيئة بغير عمد، أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ثم يقذف بما ارتكبه نفسًا بريئة لا جناية لها، فقد تحمَّل كذبًا وذنبًا بيّنا، و "إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ" ﴿الممتحنة 4﴾ براء اسم، بُرَآءُ منكم: أبرياء منكم، قد كانت لكمأيها المؤمنون قدوة حسنة في إبراهيم عليه السلام والذين معه من المؤمنين، حين قالوا لقومهم الكافرين بالله: إنا بريئون منكم وممَّا تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد، كفرنا بكم، وأنكرنا ما أنتم عليه من الكفر، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا ما دمتم على كفركم، حتى تؤمنوا بالله وحده، لكن لا يدخل في الاقتداء استغفار إبراهيم لأبيه، فإن ذلك إنما كان قبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدو لله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، ربنا عليك اعتمدنا، وإليك رجعنا بالتوبة، وإليك المرجع يوم القيامة.
أتي النبّي صلى الله عليه وآله وسلم برجلٍ قد شهد عليه جماعة أنّه قد سرق ناقة، فهمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطعه، فقال هذه الصلوات فتكلّمت الناقة ببراءته، وقالت: إنّه بريءٌ من سرقتي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لما قال هذه الصلاة نظرت إلى الملائكة يخرقون سكك المدينة يحولون بيني وبينه، ثمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لتردنَّ على الصراط ووجهك أضوء من القمر ليلة البدر. وهذه الصلاة هي: (اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من صلواتك شيء، وارحم محمداً وآل محمّد حتى لا يبقى من رحمتك شيء، وبارك على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من بركاتك شيء، وسلّم على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من سلامك شيء), جاء عن مركز الأبحاث العقائدية: إنّ الفهم الخاطئ للدين وللآيات القرآنية الذي يتمسّك به أتباع بعض المذاهب الإسلامية وتطبيقه على أساس أنّ الإسلام والقرآن يريد هكذا دين، هو الذي شوّه صورة الإسلام في أعين أتباع الديانات الأُخرى, ونحن نقول: الذي يبيح القتل بهذه الطريقة الهمجية، والتي تزهق بها أرواح الأبرياء من النساء والأطفال، بل والرجال، لا يمثّل الإسلام الحقيقي، ونحن في مذهب أهل البيت لا ندعو إلى هكذا طريقة في التعامل مع الآخرين، بل نرجّح هداية البشرية من خلال: الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن.
جاء في موقع المال عن ليس من الإسلام قتل الأبرياء بغير حق للكاتب رجائي عطية: القرآن الحكيم هو الذي علمنا تقديس الروح الإنسانية في المسلم وفي غير المسلم.. فالكرامة وقداسة الروح هي لكل بني الإنسان. ففي القرآن المجيد: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا" (الإسراء 70). سبحانه وتعالي هو الذي "خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ" (الرحمن 3-4). سبحانه خلق الإنسان فسواه وعدله، وهو سبحانه القائل: "وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ". (الروم 20).. ويقول جل شأنه: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يمِيتُكُمْ ثُمَّ يحْييكُمْ" (الروم 40).. هذه الأرواح خلقها الله، وأمْرها له سبحانه وتعالي، وروح الواحد هي روح الناس جميعا، وفي القرآن الحكيم يقول رب العزة: "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة 32 )، فهذه الحياة هبة ربانية مقدسة، لكل إنسان بل وفي الحيوان. من حديث رسول القرآن عليه السلام: (ليس من نفسٍ تُقتل ظلما إلاّ كان على ابن آدم الأول (قابيل) كفل من دمها، أنه أول من سن القتل)، وفي الحديث أيضا: (لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل نفس بغير حق). وأن قتل النفس التي حرم الله من السبع الموبقات. يعلمنا الإسلام، الذي قدس الروح الإنسانية، أن قتل الأبرياء ناهيك بقتلهم غيلة من أشد الموبقات، جزاؤه جهنم وغضب الله ولعنته، وما أعده للقاتل من عذاب أليم "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" (النساء 93 )، وعلمنا أن المسئولية في الدنيا وفي الآخرة لا تلحق بأحد إلاّ عن فعله هو لا عن فعل أو عمل غيره. لا مجال في شرعة الإسلام لأن يتحمل أحد أو يحمل بوزر أو خطيئة غيره حتي لو كان من أقرب ذوي قرباه ففي القرآن الحكيم: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يوْمَ الْقِيامَةِ كِتَابًا يلْقَاهُ مَنشُورًا" (الإسراء 13)، وفيه أيضا: »وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يوْمَ الْقِيامَةِ فَرْدًا" (مريم 95). من مبادئ المسئولية في شرعة القرآن الحكيم أن لا تزر وازرة وزر أخري، فيقول الحكم العدل: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي" (فاطر 18)، وفي سورة النجم، قال عز من قائل: "أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي * وَأَن لَّيسَ للإنسَانِ إِلاّ مَا سَعَي" (النجم 38-39). لا يمنح الثواب، ولا يقرر الجزاء، إلاّ لقاء العمل الشخصي خيرا أو شرا "فَمَن يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يرَهُ * وَمَن يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يرَهُ" (الزلزلة 7-8). لا يعرف الإسلام عقوبة تصيب بريئا، ولا شهادة تجامل قريبا، أو شنآنا يبرر تحاملاً. فالشاهد لا يشهد إلاّ بالحق ولو علي نفسه أو الوالدين والأقربين: "يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَي أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَينِ وَالأَقْرَبِينَ" (النساء 135)، ولا يبرر له شنآن فرد أو جماعة أو قوم أن يحيد في عمله أو سلوكه أو شهادته عن العدل أو الحق، فإنصاف الشانئ نفسه واجب، ولا يسقط شنآنه واجب العدل والتزام الحق معه، بل يجب علي المسلم أن يعدل معه في كل الأحوال، "يا أَيهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة 8). فالله سبحانه وتعالي: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ" (الصف 9)، وهو سبحانه الذي أمر رسوله بأن يبلغ الناس رسالة ربه بأنه عز وجل "يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (النحل 90)، وأنه تعالت حكمته: لا يقبل الظلم لأحد، مسلما كان أو غير مسلم، ويقول في كتابه المبين: "وَمَا اللَّهُ يرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ" (غافر 31).
https://telegram.me/buratha