الدكتور فاضل حسن شريف
قال تعالى عن رهينة "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" ﴿المدثر 38﴾، و "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" ﴿الطور 21﴾ رهين اسم، رهين: محتبس، رَهين: مَرْهونٌ عِـنـْد الله تعالى، بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ: محبوس بكسبه الباطل، والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم في الإيمان، وألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة، وإن لم يبلغوا عمل آبائهم، لتَقَرَّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيُجْمَع بينهم على أحسن الأحوال، وما نقصناهم شيئًا من ثواب أعمالهم. كل إنسان مرهون بعمله، لا يحمل ذنب غيره من الناس، و "وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 283﴾ فَرِهَانٌ: فَ حرف واقع في جواب الشرط، رِهَانٌ اسم، الرهن: حبسً الشيء مطلقاً، وما يوضع تأميناً للدَّين، وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا مَن يكتب لكم فادفعوا إلى صاحب الحق شيئًا يكون عنده ضمانًا لحقِّه إلى أن يردَّ المدينُ ما عليه من دين، فإن وثق بعضكم ببعض فلا حرج في ترك الكتابة والإشهاد والرهن، ويبقى الدَّين أمانة في ذمَّة المدين، عليه أداؤه، وعليه أن يراقب الله فلا يخون صاحبه. فإن أنكر المدين ما عليه من دين، وكان هناك مَن حضر وشهد، فعليه أن يظهر شهادته، ومن أخفى هذه الشهادة فهو صاحب قلب غادر فاجر. والله المُطَّلِع على السرائر، المحيط علمه بكل أموركم، سيحاسبكم على ذلك.
وردت كلمة رهينة ومشتقاتها في القرآن الكريم: فَرِهَانٌ، رَهِينٌ، رَهِينَةٌ.جاء في معاني القرآن الكريم: رهن الرهن: ما يوضع وثيقة للدين، والرهان مثله، لكن يختص بما يوشع في الخطار (في اللسان: الخطر: الرهن بعينه. والخطر: السبق الذي يترامى عليه في التراهن، وأخطر المال: جعله خطرا بين المتراهنين)، وأصلهما مصدر، ويقال: رهنت الرهن وراهنته رهانا، فهو رهين ومرهون. ويقال في جمع الرهن: رهان ورهن ورهون، وقرئ: "فرهن مقبوضة" (البقرة 283) (سورة البقرة: آية 283، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو) و "فرهان" (وهي قراءة الباقين)، وقيل في قوله: "كل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر 38)، إنه فعيل بمعنى فاعل، أي: ثابتة مقيمة. وقيل: بمعنى مفعول، أي: كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عمله. ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أي شيء كان، قال: "بما كسبت رهينة" (المدثر 38)، وأرهنت فلانا، ورهنت عنده وارتهنت: أخذت الرهن، وأرهنت في السلعة، قيل: غاليت بها، وحقيقة ذلك: أن يدفع سلعة تقدمة في ثمنه، فتجعلها رهينة لإتمام ثمنها. وعن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (رهن) "كل امرئ بما كسب رهين" (الطور 21) أي محبوس بعمله. (بسل) "أبسلوا بما كسبوا" (الانعام 70) أي ارتهنوا واسلموا للهلكة، يقال: أبسل ولده إذا رهنه، والمبتسل: الواقع في مكروه لا مخلص له منه فيستسلم موقنا بالهلكة، و "تبسل نفس" (الانعام 70) ترتهن وتسلم للهلكة.
جاء في المعاجم: رَهينة (اسم) الجمع: رَهائنُ و رهنيات، الرَّهينَةُ: ما يُرْهَنُ وأنا لك: ضامِنٌ رهينةٌ بكذا:مَأْخوذٌ بِهِ وَضامِنٌ لَهُ المدثر آية 38 "كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهينَةٌ" (قرآن). من يختطف عليه للضغط لاجل تنفيذ طلب معين او الحصول على مال. الرهينة: (مصطلحات) جمع رهائن ( انظر: رهن )، ما يؤخذ من الآدميين ضمانا لعدم عذر العدو، حتى إذا ما غدر كان لمن غدر به حق قتل هؤلاء الرهائن. (فقهية) رهينة: حجز إنسان دون إرادته واشتراط إطلاق سراحه مقابل فدية أو ضمانات أمنية. مُرتَهِن: (اسم)، مُرتَهِن: فاعل من إِرتهنَ، مُرتهَن: (اسم)، مُرتهَن: اسم المفعول من إِرتهنَ، مُرتَهَن: (اسم)، مفعول مِن اِرْتَهَنَ، عَقَارٌ مُرْتَهَنٌ: كُلُّ مَا أُخِذَ رَهْناً، مُرتَهِن: (اسم) فاعل مِن اِرْتَهَنَ، تَاجِرٌ مُرْتَهِنٌ: دائِنٌ، مُراهَن: (اسم) مُراهَن: اسم المفعول من راهَنَ، مُراهِن: (اسم) مُراهِن: فاعل من راهَنَ، رَهائنُ: (اسم) رَهائنُ: جمع رَهينة، رَهائنُ: (اسم) رَهائنُ: جمع رَهين. رَهينة: رهينة - ج، رهائن 1- رهينة: ما يرهن. 2- رهينة: إنسان يلقى القبض عليه ولا يطلق سراحه إلا إذا نال آسره من خصمه ما يطلبه. 3- رهينة: (أنا رهينة بكذا): أي ضامن له.
جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: و أرهنته ارتهاناً و تراهنوا تراهناً. و راهنه مراهنة و استرهنه استرهاناً. و الإنسان رهين عمله. و کل شيء يحتبس غيره فهو رهينة و مرتهنة. و أصل الباب الرهن: حبس الشيء بما عليه و واحد الرهن رهان. و هو جمع الجمعِ نحو ثمار و ثمر في قول الكسائي، و الفراء. و قال أبو عبيدة: واحده رهن نحو سقف و سُقف. و قيل لا يعرف في الأسماء فَعل و فُعل غير هذين. و زاد بعضهم قَلب النخلة و قُلب. فأما (رهان) فهو جمع رهن، و هو علي القياس نحو حبل و حبال، و فعل و فعال، و كبش و كباش، و إنما اختار أبو عمرو: فرهن لأنه موافق لخط المصحف، و لغلبة الاستعمال في الرهان في الخيل، و اختاره الزجاج أيضاً. و من اختار (رهان) فلاطراده في باب الجمع. و کل حسن. و ارتفع (فرهن) بأنه خبر ابتداء محذوف تقديره فالوثيقة رهن و يجوز فعليه رهن. و لو قرئ "فرهناً" بالنصب بمعني فارتهنوا رهناً جاز في العربية، و لكن لم يقرأ به أحد. و شاهد الرهن قول قعنب بن أم صاحب: بانت سعاد و أمسي دونها عدن * و غلقت عندها من قبلك الرهن. و من شرط صحة الرهن أن يکون مقبوضاً لقوله: "فَرِهانٌ مَقبُوضَةٌ" (البقرة 283) فان لم يقبض لم ينعقد الرهن. و مسائل الرهن ذكرناها في النهاية و المبسوط مستوفاة فلا فائدة للتطويل بذكرها هاهنا. و يجوز أخذ الرهن في الحضر مع وجود الكاتب، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتري طعاماً نساء و رهن فيه درعاً.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي:قوله تعالى "كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر 38) الباء بمعنى مع أو للسببية أو للمقابلة و "رَهِينَةٌ" بمعنى الرهن على ما ذكره الزمخشري قال في الكشاف: رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله: "كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور 21) لتأنيث النفس لأنه لو قصدت لقيل: رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن. انتهى. وكان العناية في عد كل نفس رهينة أن لله عليها حق العبودية بالإيمان والعمل الصالح فهي رهينة محفوظة محبوسة عند الله حتى توفي دينه وتؤدي حقه تعالى فإن آمنت وصلحت فكت وأطلقت، وإن كفرت وأجرمت وماتت على ذلك كانت رهينة محبوسة دائما، وهذا غير كونها رهين عملها ملازمة لما اكتسبت من خير وشر كما تقدم في قوله تعالى "كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور 21). والآية في مقام بيان وجه التعميم المستفاد من قوله "نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر" (المدثر 37) فإن كون النفس الإنسانية رهينة بما كسبت يوجب على كل نفس أن تتقي النار التي ستحبس فيها إن أجرمت ولم تتبع الحق. قوله تعالى "إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ" (المدثر 38) هم الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يوم الحساب وهم أصحاب العقائد الحقة والأعمال الصالحة من متوسطي المؤمنين، وقد تكرر ذكرهم وتسميتهم بأصحاب اليمين في مواضع من كلامه تعالى، وعلى هذا فالاستثناء متصل. والمتحصل من مجموع المستثنى منه والمستثنى انقسام النفوس ذوات الكسب إلى نفوس رهينة بما كسبت وهي نفوس المجرمين، ونفوس مفكوكة من الرهن مطلقة وهي نفوس أصحاب اليمين. وقوله "كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور 21) تعليل لقوله "وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ" (الطور 21) على ما يفيده السياق، والرهن والرهين والمرهون ما يوضع وثيقة للدين على ما ذكره الراغب قال: ولما كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك لحبس أي شيء كان. انتهى. ولعل هذا المعنى الاستعاري هو المراد في الآية والمرء رهن مقبوض ومحفوظ عند الله سبحانه بما كسبه من خير أو شر حتى يوفيه جزاء ما عمله من ثواب أو عقاب فلو نقص شيئا من عمله ولم يوفه ذلك لم يكن رهين ما كسب بل رهين بعض ما عمل وامتلك بعضه الآخر غيره كذريته الملحقين به. وأما قوله تعالى "كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ " (المدثر 38-39)، فالمراد كونها رهينة العذاب يوم القيامة كما يشهد به سياق ما بعده من قوله "فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ" (المدثر 41). وقيل: المراد كون المرء رهين عمله السيئ كما تدل عليه آية سورة المدثر المذكورة آنفا بشهادة استثناء أصحاب اليمين، والآية أعني قوله "كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور 21) جملة معترضة من صفات أهل النار اعترضت في صفات أهل الجنة.
https://telegram.me/buratha