الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً" (الانسان 8-9) جاء في روايات المذاهب الاسلامية ان علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كانوا في حالة جوع عند اطعامهم هؤلاء المساكين اي في حالة حب الطعام "عَلَى حُبِّهِ" كما قال الله تعالى "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (ال عمران 92)، وفي تفسير اخر حب الله تعالى. وأفضل الاطعام للمسكين واليتيم والأسير "مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرا" (الإنسان 8) والأسير يشمل الكافر والمشرك حيث ان الاية تشير الى الاسرى الكفار والمشركين. ولم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه واله وسلم سجن لسجن الاسرى، وإنما المسلمون يحتفظون بهم ويحسنون اليهم ومن ذلك اطعامهم. لذلك فان إطعام المسلمين وغير المسلمين من صفات الأبرار كما جاء في الحديث الشريف (استوصوا بالأسرى خيراً وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه). من صفات الابرار قوله تعالى "اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً" (الانسان 9) اي ان نية العمل لوجه الله وليس رياءا او لغرض مالي قال الله عز وعلا "وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ" (البقرة 272) قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (لا عمل إلاّ بالنيّة وإنّما الأعمال بالنيات). قال الله جل جلاله " إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً" (الانسان 10) وهي صفة من صفات الابرار الخوف من الله الذي اعد يوما شديد العبوسية حيث كلمة قمطرير تعني شديد. والخوف مرتبة دنيا من مراتب الإخلاص في العبادة لأن المرتبة العليا هي مرتبة حب الله. وهنالك فرق بين الخوف من القيامة الذي شره عظيم "شَرُّهُ مُسْتَطِيراً" (الانسان 7)، والخوف من الله في يوم القيامة الذي هو عبوس شديد "عَبُوساً قَمْطَرِيراً" (الانسان 10).
جاء عن أحكام الكافر المقاتل للسيد أبو القاسم الخوئي قدس سره: المعروف بين الشيعة الإمامية أن الكافر المقاتل يجب قتله ما لم يسلم، ولا يسقط قتله بالأسر قبل أن يثخن المسلمون الكافرين، ويعجز الكافرون عن القتال لكثرة القتل فيهم، وإذا أسلم ارتفع موضوع القتل، وهو الكافر، وأما الأسر بعد الاثخان فيسقط فيه القتل، فان الآية قد جعلت الاثخان غاية لوجوب ضرب الرقاب. ومن الواضح: أن الحكم يسقط عند حصول غايته، ويتخير ولي الأمر في تلك الحال بين استرقاق الأسير، وبين مفاداته، والمن عليه من غير فداء، من غير فرق في ذلك بين المشرك وغيره من فرق الكفار، وقد ادعي الإجماع على ما ذكرناه من الأحكام، والمخالف فيها شاذ لا يعبأ بخلافه. وهذا الذي ذكروه يوافق ظاهر الآية الكريمة من جميع الجهات إذا كان شد الوثاق هو الاسترقاق، باعتبار أن معنى شد الوثاق هو عزله عن الاستقلال ما لم يمن عليه أو يفاد. وأما إذا لم يكن شد الوثاق بمعنى الاسترقاق، فلا بد من إضافة الاسترقاق إلى المفاداة والمن للعلم بجوازه من أدلة أخرى، فيكون ذلك تقييدا لإطلاق الآية بالدليل. وقد وردت الأحكام المذكورة فيما رواه الكليني، والشيخ الطوسي بإسنادهما عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (سمعته يقول كان أبي يقول أن للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها، ولم يثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فان الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم، وتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (المائدة 33). ألا ترى أنه التخيير الذي خير الله الإمام على شيء واحد وهو الكفر وليس هو على أشياء مختلفة فقلت لجعفر بن محمد عليه السلام قول الله تعالى: "أو ينفوا من الأرض" (المائدة 33)، قال ذلك الطلب أن يطلبه الخيل حتى يهرب، فإن أخذته الخيل حكم ببعض الأحكام التي وصفت ذلك، والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها، فكل أسير أخذ على تلك الحال وكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار، إن شاء من عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا). ووافقنا على سقوط القتل عن الأسير بعد الاثخان: الضحاك وعطاء، وصرح الحسن بذلك وان الامام بالخيار إما أن يمن أو يفادي أو يسترق. وعلى ما ذكرناه فلا نسخ في الآية الكريمة، غاية الأمر أن القتل يختص بمورد، ويختص عدم القتل بمورد آخر من غير فرق بين أن تكون آية السيف متقدمة في النزول على هذه الآية، وبين أن تكون متأخرة عنها. ومن الغريب: أن الشيخ الطوسي في هذا المقام نسب إلى أصحابنا أنهم رووا تخيير الإمام في الأسير بعد الإثخان بين القتل وبين ما ذكر من الأمور. قال: (والذي رواه أصحابنا أن الأسير إن أخذ قبل انقضاء الحرب والقتال بأن تكون الحرب قائمة، والقتال باق فالإمام مخير بين أن يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفوا، وليس له المن ولا الفداء، وإن كان أخذ بعد وضع الحرب أوزارها وانقضاء الحرب والقتال كان الإمام مخيرا بين المن والمفاداة إما بالمال أو النفس، وبين الاسترقاق وضرب الرقاب). وتبعه على ذلك الطبرسي في تفسيره مع أنه لم ترد في ذلك رواية أصلا. وقد نص الشيخ الطوسي بنفسه في كتاب المبسوط (كل أسير يؤخذ بعد أن تضع الحرب أوزارها، فانه يكون الإمام مخيرا فيه بين أن يمن عليه فيطلقه، وبين أن يسترقه وبين أن يفاديه، وليس له قتله على ما رواه أصحابنا).
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى: "وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ" (البقرة 85) بيان لتناقضهم وتفريقهم لأحكام الله تعالى. وأسارى: جمع أسير بمعنى مأسور، وهو من يؤخذ على سبيل القهر فيشد بالإسار وهو القد بكسر القاف، والقد: سير يقد من جلد غير مدبوغ. وتفادوهم: تنقذوهم من الأسر بالفداء، يقال: فاداه وفداه: أعطى فداءه فأنقذه. أى: أنتم يا معشر اليهود إن وجدتم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم أسرى تسعون في فكاكهم، وتبذلون عرضا لإطلاقهم، والشأن أن قتلهم وإخراجهم محرم عليكم كتركهم أسرى في أيدى أعدائكم، فلماذا لم تتبعوا حكم التوراة في النهى عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم؟ وصدرت الجملة الكريمة "وهو محرم عليكم إخراجهم" (البقرة 85) بضمير الشأن للاهتمام بها. والعناية بشأنها، وإظهار أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم، وليس خافيا عليهم. وقوله تعالى: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ" (البقرة 85) بِبَعْضٍ توبيخ وتقريع لهم على تفريقهم بين أحكام الله. والمعنى: أفتتبعون أحكام كتابكم في فداء الأسرى، ولا تتبعونها في نهيكم عن قتال إخوانكم وإخراجهم من ديارهم؟ فالاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه تعالى بالإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر. وبعض الكتاب الذي آمنوا به هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في أيدى عدوهم، وبعضه الذي كفروا به ما حرم عليهم من القتل والإخراج من الديار، فالإنكار منصب على جمعهم بين الكفر والإيمان. قال فضيلة المرحوم للشيخ محمد الخضر حسين: (وإنما سمى سبحانه عصيانهم بالقتل والإخراج من الديار كفرا لأن من عصى أمر الله تعالى بحكم عملي معتقدا أن الحكمة والصلاح فيما فعله، بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب. فقد خرج بهذه الحالة النفسية عن سبيل المؤمنين، وفي الآية الكريمة دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع ويكفر ببعضه، يدخل في زمرة الكافرين لأن الإيمان كل لا يتجزأ).
جاء في موقع وكالة انباء الحوزة عن تدبر ايات القرآن للسيد محمد سعيد الحكيم: دعا المرجع الديني سماحة السيد محمد سعيد الحكيم المؤمنين، عند قراءة القرآن، لتفهم وتدبر معانيه ومضامينه الشريفة وأحكامه وتفسيره الذي وردت مضامينه بأحاديث أهل البيت عليهم السلام، مؤكدًا علی أنهم أدرى بها من سواهم ممن فسروا القرآن برأيهم وبخلاف ما أراده الباري سبحانه وتعالى، كما أوضح سماحته أن أخذ التفسير من غير مصادره الصحيحة قد يوصل الإنسان إلى الضلالة من حيث لا يشعر، مستشهدا ببعض الآيات التي غير المُضِلّون مفاهيمها. وشدد سماحة المرجع بقوله: عليكم أن تعلموا بوجود تفاسير عند الطرف الآخر لم ينزل الله تعالى بها من سلطان كما فسروا الآية الكريمة "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الانفال 67) فهنالك فرق بين ما أراده تعالى من الاهتمام بالأسير، وبين تفسير الآخرين الذي يدعو إلى قتله. وفي نهاية الحديث دعا سماحته جميع المؤمنين أن يستثمروا بركة الانتماء لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وأن يعرف كل منهم أن القرآن ليس لقلقة لسان وإنما تدبر بأمره والعمل بموجبه، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يتقبل أعمالهم وسعيهم وأن ينفع الناس ببركة مشروعهم.
https://telegram.me/buratha