الصفحة الإسلامية

كلمة دمرنا في القرآن الكريم


الدكتور فاضل حسن شريف

قوله عز وجل "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" ﴿الإسراء 16﴾ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا يعني فرعون وقومه فدمرناهم تدميرا اي فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام فدمرناهم على التأكيد بالنون الثقيلة وفي رواية فدمراهم قال وهذا كأنه امر لموسى وهارون ان يدمراهم. وعن تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ" ﴿الأعراف 137﴾ "القوم" هم بنو إسرائيل كان يستضعفهم فرعون وقومه، و "الأرض" أرض مصر والشام ملكها بنو إسرائيل بعد العمالقة والفراعنة فتصرفوا في نواحيها الشرقية والغربية كيف شاءوا "التي باركنا فيها" ﴿الأعراف 137﴾ بأنواع الخصب من الزروع والثمار والعيون والأنهار "وتمت كلمت ربك الحسنى" ﴿الأعراف 137﴾ وهو قوله: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا" (القصص 5) إلى قوله: "ما كانوا يحذرون" (القصص 6)، و "الحسنى" تأنيث (الأحسن) صفة للكلمة "و" معنى "وتمت كلمت ربك الحسنى" ﴿الأعراف 137﴾ مضت عليهم، من قولك: تم على الأمر: إذا مضى عليه واستمر "بما صبروا" بسبب صبرهم "ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه" ﴿الأعراف 137﴾ ما كانوا يعملونه من العمارات وبناء القصور "وما كانوا يعرشون" ﴿الأعراف 137﴾ من الجنات، وقرئ: "يعرشون" بضم الراء وكسرها، وهذا آخر ما اقتص الله سبحانه من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله.

جاء في التفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ" ﴿الشعراء 172﴾ من قوم لوط بعد نجاة من آمن منهم. قاللغة: الغابرين اي الباقين مع الذين كفروا، و أيضا تأتي كلمة غبر بمعنى ذهب. و مصبحين داخلين في الصباح. وابق فرّ. و ساهم أقرع من القرعة. و المدحضين المغلوبين. و مليم فعل ما يستحق عليه اللوم و العتاب. قوله تعالى "لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فِي اَلْبِلاََدِ" (ال عمران 196) أي تحكموا بأهلها، و نهبوا الأقوات و الأرزاق. "مَتََاعٌ قَلِيلٌ" (ال عمران 197) أي ذاك التحكم و الظلم يتطعمه الطغاة قليلا، ثم يلفظونه جملة "ثُمَّ مَأْوََاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ اَلْمِهََادُ" (ال عمران 197) و معنى الآية بمجموعها: قد يظن الظان أن الدنيا (للأقذر الأقذر) الذي يملك السلاح الأكثر فتكا و تدميرا!؟كلا، فإن وراء قوى الشر قوة عليا تراقب و تحاسب لا تغفل و لا تغلب، و تدمر كل باغية و طاغية. "لََكِنِ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنََّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهََارُ خََالِدِينَ فِيهََا" (ال عمران 198) و من يعاقب المجرمين يثيب المتقين، ما في ذلك ريب "نُزُلاً" حال من جنات، لأن النزل و النزول ما يهيأ للنازل من طعام و شراب و ما أشبه. لا يكاد ينتهي القرآن الكريم من حديث المستكبرين و المترفين الذين هم أصل الهلاك و الدمار بنص الآية 16 من الإسراء: "و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها" (الاسراء 16) باتباع الحق "ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" (الاسراء 16) و قال المكابرون المترفون ساخرين لمن آمن به من الفقراء: "أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صََالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قََالُوا إِنََّا بِمََا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ" (الاعراف 75) عن علم و برهان، فافعلوا ما بدا لكم، فأخذت المترفين العزة بالإثم، و أصروا على الطغيان و الجبروت. "فَعَقَرُوا اَلنََّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ" (الاعراف 77) رغما من تحذيرهم بالعذاب "وَ قََالُوا يََا صََالِحُ اِئْتِنََا بِمََا تَعِدُنََا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ" (الاعراف 77) و لما ذا سألوه أن يعجل بعذابهم؟ و نجد الجواب عند سيد الأوصياء و الحكماء علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال: (من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، و من زاغ ساءت عنده الحسنة، و حسنت عنده السيئة، و سكر سكر الضلالة). قوله تعالى "وَ مََا كُنََّا مُعَذِّبِينَ حَتََّى نَبْعَثَ رَسُولاً" (الاسراء 15) أيضا هذا حكم ضروري طبيعي، و يتلخص بكلمة واحدة: لا عقاب بلا بيان، و في الحديث الشريف: رفع عن أمتي ما لا يعلمون، و قال الإمام الصادق عليه السلام: إن اللّه احتجّ على الناس بما آتاهم و عرّفهم "وَ إِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا" (الاسراء 16) جمع مترف و هو الغنيّ المنعمّ في الحياة الدنيا، و أطلقت الآية كلمة المترفين هنا على جميع أهل القرية بلا استثناء لأن الأمر بالحق و العدل يعم و يشمل الفقراء و الأغنياء، و خصّ سبحانه المترفين بالذكر لأنهم إلى المعصية أسرع، و لأنهم متبوعون لا تابعون "فَفَسَقُوا فِيهََا فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ فَدَمَّرْنََاهََا تَدْمِيراً" (الاسراء 16) بعد أن قال سبحانه ما معناه: لا عقوبة بلا نصّ فرع على هذا الأصل و قال-و هو الرّحمن الرّحيم و العادل الحكيم لا نهلك أهل قرية إلا بعد أن تقوم عليهم الحجّة بإرسال الرسل يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و يبشرون و ينذرون فإذا عصوا ما أمروا به أنزل بهم الهلاك و الدمار، و معنى هذا أن الأمر بالخير و المعروف هو المحك الذي أظهر فسادهم و ضلالهم، فحقت عليهم كلمة العذاب.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله "وإن لوطا لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين (134) إلا عجوزا في الغابرين (135) ثم دمرنا الآخرين (136) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137) وبالليل أفلا تعقلون (138)" (الصافات 133-136) التفسير: تدمير قوم لوط: (لوط) هو خامس نبي يذكر اسمه في هذه السورة ضمن تسلسل الآيات التي تحدثت بصورة مختصرة عن تأريخه لاستمداد العبر منه. وطبقا لما جاء في آيات القرآن بشأن لوط، يتضح أنه كان معاصرا لإبراهيم عليه السلام، وأنه من أنبياء الله العظام، وذلك ما جاء في الآية (26) من سورة العنكبوت والآية (74) من سورة هود. وقد ورد اسم (لوط) كثيرا في آيات القرآن الكريم، وتكرر البحث في القرآن بشأنه هو وقومه عدة مرات، قومه المنحرفون الذين كشف القرآن الكريم (الآيات 167 إلى 173 من سورة الشعراء، وفي الآيات 70 إلى 83 من سورة هود، وفي الآيات 54 إلى 58 من سورة النمل وغيرها من السور) عن المصير الأليم الذي حل بهم. الجمل القصيرة التي وردت أعلاه تشير إلى تأريخ قوم لوط الملئ بالحوادث، والتي ورد شرحها في سور (هود) و (الشعراء) و (العنكبوت). (لوط) كسائر الأنبياء بدأ دعوته بتوحيد الله، ثم عمد إلى الجهاد ضد الفساد الموجود في المجتمع المحيط به، خاصة ذلك الانحراف الخلقي المعروف باللواط، والذي ظل كوصمة عار لقوم لوط على طول التاريخ. فهذا النبي العظيم عانى المرارة مع قومه، وبذل كل ما يمتلك من جهد لإصلاح قومه المنحرفين، ومنعهم من الاستمرار في ممارسة عملهم القبيح، ولكن جهوده لم تسفر عن شئ. وعندما شاهد أن أفراد قلائل آمنوا به، قرر إنقاذ نفسه وإنقاذهم من المحيط الفاسد الذي يعيشون فيه. وفي نهاية الأمر فقد لوط الأمل في إصلاح قومه وعمد إلى الدعاء عليهم، حيث طلب من الله سبحانه وتعالى إنقاذه وعائلته، فاستجاب الباري عز وجل لدعائه وأنقذه وعائلته مع تلك الصفوة القليلة التي آمنت به، عدا زوجته العجوز ثم بين سبحانه العقاب الدنيوي والأخروى الذي استحقه أولئك المفرقون لأحكامه فقال تعالى: "فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (البقرة 85) اسم الإشارة (ذلك) مشار به إلى القتل والإخراج من الديار، اللذين نقضوا بهما عهد الله بغيا وكفرا والخزي في الدنيا هو الهوان والمقت والعقوبة ومن مظاهره: ما لحق اليهود بعد تلك الحروب من المذلة بإجلاء بنى قينقاع والنضير عن ديارهم، وقتل بنى قريظة وفتح خيبر، وما لحقهم بعد ذلك من هوان وصغار، وتلك سنة الله في كل أمة لا تتمسك بدينها ولا تربط شئونها بأحكام شريعتها وآدابها. ولما كان البعض قد يتوهم أن خزيهم في الدنيا قد يكون سببا في تخفيف العذاب عنهم في الأخرى، نفى سبحانه هذا التوهم، وبين أنهم يوم القيامة سيصيرون إلى ما هو أشد منه. لأن الله تعالى ليس ساهيا عن أعمالهم حتى يترك مجازاتهم عليها. فالمراد من نفى الغفلة نفى ما يتسبب عنها من ترك المجازاة لهم على شرورهم.

يقول الشيخ جلال الدين الصغير: بقدر تعلق الحساب الإلهي في صورتي الثواب والعقاب الفردي والجماعي، سواء كان هذا الحساب يأخذ بعده الدنيوي، إن في وراثة الأرض وإعمارها وهو ما يتبدى واضحا في الآية القرآنية الكريمة: "وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" (الجن 16)، وإن في الهلاك والدمار فيها كما أشارت إليه الآية الكريمة: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (الاسراء 16). أو بعده الأخروي المتمثل بنعيم الجنة وعذاب النار، وفق ما عبرت عنه الآيتان الشريفتان: "وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا" (الاسراء 13-14)، وكذا قوله تبارك وتعالى: "وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (الجاثية 28-29) وهذه الصورة من الاختيار كما نجدها في الإنسان نجدها في الجن أيضا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك