الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن نفق "وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" ﴿الأنعام 35﴾ نفقا اسم، نفقا: سرباً في الأرض. و النفق: الطريق النافذ في الأرض أو الجبل، تَبْتَغي نَفَقاً: تطلب سرباً تحت الأرض، نفقا في الأرض: سربا فيها ينفذ إلى ما تحتها، وإن كان عَظُمَ عليك أيها الرسول صدود هؤلاء المشركين وانصرافهم عن الاستجابة لدعوتك، فإن استطعت أن تتخذ نفقًا في الأرض، أو مصعدًا تصعد فيه إلى السماء، فتأتيهم بعلامة وبرهان على صحة قولك غير الذي جئناهم به فافعل. ولو شاء الله لَجَمعهم على الهدى الذي أنتم عليه ووفَّقهم للإيمان، ولكن لم يشأ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، فلا تكونن أيها الرسول من الجاهلين الذين اشتد حزنهم، وتحسَّروا حتى أوصلهم ذلك إلى الجزع الشديد.
جاء في معاني القرآن الكريم: نفق نفق الشيء: مضى ونفد، ينفق، إما بالبيع نحو: نفق البيع نفاقا، ومنه: نفاق الأيم، ونفق القوم: إذا نفق سوقهم، وإما بالموت نحو: نفقت الدابة نفوقا، وإما بالفناء نحو: نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها. والنفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض النافذ فيه. قال: "فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض" (الانعام 35) ومنه: نافقاء اليربوع، وقد نافق اليربوع، ونفق، ومنه: النفاق، وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب.
عن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: لا سبيل إلى إيمان هؤلاء الجاحدين إلا بمشيئة الله وإرادته فقال "وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ" (الانعام 35) كبر عليك: أى شق وعظم عليك. والنفق: السرب النافذ في الأرض الذي يخلص إلى مكان. والمعنى: وإن كان يا محمد قد شق عليك إعراض قومك عن الإيمان وظننت أن إتيانهم بما اقترحوه من آيات يكون سببا في إيمانهم، فإن استطعت أن تطلب مسلكا عميقا في جوف الأرض، أو مرقاة ترتقى بها إلى السماء لتأتيهم بما اقترحوا من مطالب فافعل فإن ذلك لن يفيد شيئا لأن هؤلاء المشركين لا ينقصهم الدليل الدال على صدقك، ولكنهم يعرضون عن دعوتك عنادا وجحودا.
جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: قوله تعالى "وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" ﴿الأنعام 35﴾ استدل بعض الكتاب المسيحيين بهذه الآية على أمرين: الأوّل: انّه سبحانه يعاتب بهذه الآية نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم مع أنّ مكانته عند المسلمين فوق العتاب. الثاني: أنّ الآية تشهد على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حزيناً لعدم إعطائه أيّة معجزة له موجبة لإيمان قومه. وهذا يضاد ما عليه المسلمون من أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان صاحب معجزات وكرامات غير القرآن. ولكنّ الاستنتاجين باطلان جداً، وقد نبعا من عناد الكاتب للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبغضه له، وليست في الآية أيّة دلالة عليهما. أمّا الأمر الأوّل: فلأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يهتم بإيمان قومه وهدايتهم، وتدلّ على ذلك آيات في الكتاب العزيز: 1. "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة 128). 2. "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" (يوسف 103). 3. "إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِن نَاصِرِينَ" (النحل 37). وهذه الآيات تكشف عن حرص النبي على هداية قومه، ولكن القوم كانوا في منأى عن قبول دعوته، بسبب عنادهم ولجاجهم. وأمّا الثاني: أي دلالة الآية على عدم إعطاء النبي صلى الله عليه وآله وسلمأيّة معجزة، فهو غفلة عن معنى الآية، لما عرفت من أنّ الآية تمثل مدى اهتمام النبي بهداية قومه وتبين مقدار حرصه على إسلامهم، وتهالكه في إسعادهم، وانّه قد بلغ في ذلك الحرص مبلغاً لو استطاع أن يستخرج لهم من بطون الأرض أو من فوق السماء آية لفعل وأتى بها حتى يؤمنوا، وعلى ذلك فالآية التي يتمنّاها النبي هي الآية التي تكون ملجئة لهم إلى الإيمان وتجرّهم إلى الإذعان من غير اختيار، فمعنى الآية أيّها النبي قد بلغت في اهتمامك بهداية الناس مبلغاً ان قدرت وتهيأ لك أن تتخذ نفقاً في الأرض أو مصعداً في السماء فتأتيهم بآية وحجة تلجئهم إلى الإيمان وتجمعهم على ترك الكفر (لفعلت) أو (فافعل ذلك) ولو شاء الله "لجمعهم على الهدى" بالإلجاء وأعطاك تلك المعجزة الملجئة إلى الإيمان، ولكن لم يفعل ذلك لأنّه ينافي الغاية المتوخاة من التكليف ويسقط استحقاق الثواب. ما كان يرجى إيمان المعترضين وإذعانهم، ولأجل ذلك يخاطب سبحانه نبيه: بأنّك إن قدرت وتهيأ لك أن تتخذ طريقاً إلى جوف الأرض أو سلّماً في السماء فتأتيهم بآية، فافعل ذلك لكنهم لا يؤمنون لك. ثم يضيف سبحانه ويشبههم بالموتى ويقول "إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللهُ" (الانعام 36) مريداً أنّ هؤلاء لا يصغون إليك فهم بمنزلة الموتى، فكل إنسان عاقل، آيس من أن يسمع الموتى، كلامه فهؤلاء بمنزلتهم لا يستجيبون لك، ومعنى الآية: انّما يستجيب المؤمن السامع للحق فأمّا الكافر فهو بمنزلة الميت، فلا يجيب إلى أن يبعثه الله تعالى يوم القيامة ليلجئه إلى الإيمان.
عن كتاب من هدي القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله تعالى "إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ" (الانعام 35) نفقاً: النفق سربٌ في الأرض له مخلص إلى مكان آخر، وأصله الخروج، ومنه المنافق لخروجه من الإيمان إلى الكفر. سُلّماً: السُلم الدرج وهو مأخوذ من السلامة. هل يسلك نفقا في الأرض، أو يصعد بسلم إلى السماء ليأتيهم بآية، ولو فعل ذلك فهل ينفعهم؟ علما بأن الله لا يريد أن يجبرهم على الهدى، ولو شاء لفعل ذلك بقدرته التامة. أي تفتش عن طريق تحت الأرض أو فوق السماء من أجل الحصول على آية خارقة لكي يؤمنوا بها، فإن استطعت أن تفعل ذلك فافعل، فهل فيها فائدة؟ نعم هناك سبيل واحد لهداية هؤلاء، وهو أن يجبرهم ربهم على الهدى، ولكن هل يفعل ربنا ذلك؟ كلا .. لأنه لو شاء لفعل ذلك بأهل الأرض جميعاً "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ" (الانعام 35) الذين يريدون تحقيق شيء معين بالرغم من سنن الله وحكمته، وأنظمة الكون التي جعلها الله، إن عليك أن تتحرك في حدود هذه السنن القائمة، والأنظمة السائدة في الكون.
https://telegram.me/buratha